منى والدكتور فواز للكاتبة : واثقة الخطى
الأخوة والأخوات الأعضاء الأعزاء . .
يسرني أن أطرح بين أيديكم قصتي الجديدة التي أتمنى أن تنال إعجابكم .
علماً أن من لعب أدوار شخصياتها أناس حقيقين وليست من نسج خيال واثقة .
الفصل الأول
إلتقيتها عند إحدى الصديقات . أحسست أني أعرفها فملامحها ليست غريبة علي أخذت أتساءل هل هي منى اللبنانية ؟؟
فقد كانت منى أخت هدى زميلتنا بالصف في المرحلة الابتدائية ومنى تكبرها بأربع سنوات لم أكن أعرفها جيداً سوى رؤيتي لها عندما كانت تأتي لأختها بالصف .
لم أعرفها في البداية فقد تغيرت كثيراً . شدتني اللكنة اللبنانية التي ظهرت من خلال حديثها ، ما جعلني أتأكد أنها هي لا محالة .
أومأت بنظرتي إلى صديقتي متسائلة من هذه ؟
فهمت صديقتي نظرتي . قاطعتها قائلة : نسيت أعرفكم على بعض .
هذه جارتي منى أخت هدى زميلتنا تذكرينها ! قلت : نعم أذكرها .
سرحت بفكري بعيداً لأتذكر قصتها التي اشتهرت بين أبناء مدينتنا الصغيرة .
فقد كانت منى تسكن مدينتنا هي وعائلتها اللبنانية بسبب عمل والدها الشاق في إحدى الدوائر الحكومية
براتب زهيد ، كانوا من عائلة فقيرة تتقطع بهم سبل الحياة ومتاعب الأيام المملة
يبحثون عن مصدر رزق إضافي إلى جانب راتب والدهم .
افتتح والدهما محل ملابس جاهزة ، ووالدتها كانت تطبخ الطعام وتبيعه على المعارف و الجيران ، أما أختها الكبرى عملت مشغل نسائي لتزيين العرائس .
لقد منح الله هذه العائلة قدراً كبيراً من الجمال وربما فاق جمال منى عليهم جميعاً فهي ذات ملامح سمحة ، وجهها و تعابيره توحي بمدى طيبة صاحبته ،
لم تكن العائلة تهتم بدراسة بناتها والدليل أنهن لم يكن متفوقات ،بل أن منى تركت المدرسة في المرحلة المتوسطة .
في إحدى الليالي المارقة في ساحة الزمن مرضت منى مرضاً شديداً جعل والدها
يذهب بها في منتصف الليل إلى طبيب الطوارئ في مستشفى مدينتنا الوحيد .
كان الطبيب المناوب في تلك الليلة هو الدكتور فواز ، وهو شاباً سعودياً حديث التخرج من عائلة عريقة
ومعروف عنها تمسكها بعاداتها و تقاليدها
أغلب عائلتهم أغنياء حيث أن لهم تجارة حرة وعقارات في المدن الكبرى . كان الدكتور فواز ذو ملامح خجولة والنظارة أعطته الكثير من الوقار ،
هم بالكشف عليها لمحها بنظرة خاطفة شعر بشئ غريب اخترق قلبه ، رآها تتألم حاول مساعدتها طلب من الممرضة وضعها في غرفة التنويم المؤقت
إلى أن تظهر نتائج التحاليل ، وإعطائها المحلول والمسكنات . عاد إلى مكتبه حاول أن يكون طبيعياً لكن توتره ودقات قلبه كادت أن تفضحه .
انتهى المحلول مع طلوع الشمس وظهرت نتائج الفحوصات والتحاليل حيث كانت مطمئنة ، كتب لها العلاج اللازم استعداداً للخروج ،
غادرت منى ووالدها خارجاً ، ما هي إلا خطوات معدودة حتى تبعه الدكتور فواز بدأ يتحدث وكأنه يستجدي الحديث كان يريد أن يقول أي شئ . شيء يشفع للهفته التي ستنتهي بوداع منى !؟
فقال : نسيت أني أقول لك انها تبتعد عن المشروبات الباردة .
قال والد منى : إن شاء الله وتشكر يا دكتور أتعبناك معنا .
قال الدكتور فواز : نسيت أعرفك على نفسي أنا الدكتور فواز من عائلة ...... أكيد تعرفها . لو تريد أي خدمه أنا حاضر
قال والد منى : آهلين و سهلين تشرفنا ، وما بتقصر يا دكتور .
قال الدكتور فواز : لو رجعت الأعراض جيبوها المستشفى مره ثانية "
والد منى : إن شاء الله . مع السلامة .
عاد الدكتور فواز إلى مكتبه وهو عازم على الزواج من فتاة أحلامه التي ساقها له القدر سوقاً .
انتهت ساعات الدوام وعاد الدكتور فواز إلى منزلهم يحمل في جعبته الكثير من الأفكار والأحلام والمشاعر ، لم يشعر بإرهاق العمل كعادته فقد كان يوماً استثنائيا بالنسبة له .
وجد والدته قد استيقظت باكراً وتحتسي قهوة الصباح ، صبح عليها و قبل يدها ورأسها ، دعت له أن يرضيه ويحقق جميع ما يتمنى .
لاحظت عليه النشوى والفرح بقلب الأم التي تفهم إبنها دون أن يتكلم . قالت له : الله يفرحني فيك اليوم اللي أشوفك فيه عريس .
قال لها : إن شاء الله قريب بس ادعي لي ... قالت : إنت بس أشر و أنا أخطب لك أجمل بنت في العائلة .
قال : الله يكتب اللي فيه الخير ، عن إذنك بطلع أنام .فكر ماذا سيقول لأهله وهل سيرضون أن يتزوج لبنانية وهم معلقين آمال على زواجه من إحدى بنات العائلة .
مر شهر وهو يخطط ويسأل عن عائلة منى ويقنع في والدته وهو يعرف والدته جيداً ،، فهي ذات شخصية قوية ولا تأتي إلا بأسلوب اللين .
وافقت والدته أخيراً . ياللفرحة . أخيراً سيرتبط بأجمل ملاك ، " خطب الدكتور فواز منى وسط دهشة الجميع ،
تمت مراسم الزواج وقرت عينه برؤية حبيبته التي لم يستطيع أن يقاوم حبه لها من النظرة الأولى . ضمهما بيت الزوجية الهادئ الجميل ،
سافرا شهر العسل لإحدى الدول الأسيوية حيث طالت المدة إلى شهر ونصف..
حملت منى من أول شهر واكتشفا أمر الحمل أثناء سفرهما فقررا العودة للبلاد . مرت شهور الحمل سريعاً وسط سعادتها الغامرة بزوجها الرائع .
أنجبت طفلتين توأم جميلتين يشبهون كثيراً أختها هدى ، ثم بعد عام أنجبت أيضاً بنت جميلة تشبهها كثيراً .
سافرت عائلة منى إلى بلدهم بسبب تقاعد والدهم ، وتركوا ابنتهم في هذه المدينة الصغيرة مع زوجها الذي وهبوه كل الثقة لرعاية ابنتهم .
استمرت السعادة ترفرف على بيت الدكتور فواز . إلى أن بدأ يشعر بآلام في صدره ومع تقدم الأيام أخذ الألم يزداد .
فقرر أن يجري فحوصات ليعرف ماذا ألم به ؟؟
الفصل الثاني
سافر إلى أكبر مستشفى متخصص في أمراض القلب ليعلم أن قلبه مريض ، ويحتاج إلى عملية القلب المفتوح بأسرع وقت .
لأن قلبه في خطر ، لذلك لم يكن بيده خيار آخر فقرر أن يجري العملية وسط مخاوف الأهل والأصدقاء وخاصة زوجته منى
التي لم يتبقى لها في هذه المدينة سواه .
جاءت اللحظة التي ستجرى فيه العملية نظرت إليه قبل أن يدخل غرفة العمليات وكان عندها شعور يلفها بالحزن ، ولربما أنها آخر مره تراه فيه .
استمرت العملية ست ساعات كانت العائلة بأكملها تنتظر خارجاً ، وكانت عقارب الساعة لا تتحرك .
خرج الطبيب بعد طول إنتظار ليخبرهم أن الدكتور فواز انتقل إلى رحمة الله وطلب منهم أن يدعون له .
وقع الخبر كالصاعقة النازلة على أسماع منى ، فهي لا تتخيل حياتها بدون فواز .مرت الأيام ووضع منى أصبح مقلقاً بالنسبة لعائلة فواز
وخاصة والدته التي خافت أن تسافر منى إلى بلدها وتأخذ بناتها التي تعتبرهم قطعة منها فيكفي رؤيتها لهن لتشعر أن فواز مازال بينهم .
بعد مضي ثمانية شهور على وفاة فواز قررت منى الذهاب لأهلها في لبنان لقضاء إجازة مفتوحة لكي ترى أهلها وتبتعد قليلاً عن أحزان الصدمة لعلها تنسى وتتخلص من طيف فواز الذي لا يفارقها أبداً .. صدمت أم فواز عندما أبلغتها منى بذلك ، فهذا ما كانت تخشاه ،
فهي لا تستطيع ترك حفيداتها يذهبن لبلد يختلفون عنهم في العادات و التقاليد فلربما لا يعدن " ولربما يتأثرن بما يرينه هناك ، من مشاهد وعادات مختلفة في
مجتمع يغلب عليه الحرية ،،، أهذه وصية فواز أهكذا تفرط في بناته بهذه السهولة ؟
كما أنه ليس بإمكانها أن تمنع منى من رؤية أهلها .
قالت أم فواز لمنى : ما عندي مانع يا بنتي تسافرين لأهلك لكن البنات اعذريني ما أقدر أتركهم يسافرون معك وهذه وصية فواز ما أقدر أفرط فيهم ولا تنشغلين عليهم فهم عندي في الحفظ و الصون . لم تستطيع منى تجادل أم فواز فهي تعرفها جيداً فقراراتها لا رجعة فيها .
بعد مضي أسبوع سافرت منى وحيدة تاركة بناتها عند جدتهم تسير بهم الحياة ، قضت شهرين عند أهلها وأخذت منى تتصل يومياً على بناتها لتطمئن عليهن فقد كانت قلقة من معاملة أم فواز لبناتها . . فقد كانت أم فواز حازمة ولا يعجبها دلع الجيل الجديد .
وفي إحدى المرات اتصلت منى على أم فواز قائلة لها : اريد أخبرك أن أبن خالتي
كلم أمي يريد أن يتقدم لي ويخطبني وسوف يبحث عن فرصة عمل في السعودية وسنعيش معاً بالقرب منكم مع بناتي ، فهو حنون جداً وتعلق فيهن بمجرد أن رأى صورهن ... أم فواز أخفت من انفعالها و ردت بهدوء :
لا يا بنتي . لا تتسرعين ، أنا عندي لك مفاجئة أخبرك فيها إذا وصلتي بالسلامة .
كانت أم فواز تريد أن تقنع وليد الأخ الأصغر لفواز بالزواج من أرملة أخيه .
فقط من أجل حفيداتها ، التي لا تريد أن يتربوا في حضن رجل غريب لا يعرفون عنه شئ .. وليد طالب بالجامعة بالمستوى الثاني ولم يتجاوز العشرين عاماً .
وولدها الوحيد الذي تبقى لها بعد موت فواز . حيث أنها لم تنجب سوى ولدي وأربع بنات . وليد يصغر منى بسبع سنوات ، لكن لا يوجد غيره تستطيع أن تستأمنه على بنات ابنها فواز .. ترى هل سيوافق وليد على الزواج من زوجة أخيه التي نشأ وكبر في بيتها ، والذي يعتبرها بمثابة أخته الكبرى ؟؟؟
الفصل الثالث
وليد شاب مفعم بالحيوية و التفاؤل ، غير أنه مازال يحتفظ بشئ من طفولته الناظرة فهو يحب أن يشاهد بعضاً ( من أفلام الكرتون ) و يمتلك جهاز ( البلاي ستيشن ) .
يدرس الجامعة خارج المدينة ، وعندما يأتي في إجازة نهاية الأسبوع لا تكاد الأسرة تراه ، بسبب كثرة خروجه مع أصدقاءه تارةً للبر و تارة للبحر وتارةً أخرى لمسبح أو مطعم ،
فهو الآن في عنفوان شبابه يعيش حياته بحرية مطلقة ، ولم يدر في خلده أبداً أمر الزواج . و مع اقتراب إجازة نهاية الأسبوع أخذت أم فواز تعد العدة لمفاتحة وليد و إقناعه
بالزواج من منى( أرملة أخيه فواز ) بأي ثمن حتى لو أضطرها الأمر للبكاء و الاستجداء إلى أن يوافق .
في ظهيرة يوم الأربعاء من الأسبوع نفسه قدم وليد حاملاً حقيبته المليئة بملابسه
المتسخة و حقيبة حاسبه المحمول . تركها على الأرض و أقترب من والدته ليقبل يدها و رأسها .
قالت أم وفواز بنبرة حزن : هلا بولدي اللي بقي لي من الدنيا ، كل ما دخلت علي أتذكر فواز .
قال وليد : الله يرحمه و يغفر له . اللي مثل فواز ما ينخاف عليه
قالت أم فواز : اطلع بدل ملابسك على بال ما أقول للشغالة تجهز الغداء . تناولوا الغداء ثم استأذن وليد لأخذ قيلولة .
قالت له أم فواز : نام وارتاح يا حبيبي لأني العصر أبي أفاتحك بموضوع . مع بدء ميلان الشمس باتجاه الغروب ، أعدت أم فواز جلسة في فناء المنزل
بالقرب من النخلة التي زرعها فواز . أحضرت القهوة و جنت بيديها حفنة رطبات من النخلة ذاتها . أيقظت وليد ليحتسي معها القهوة و يبادلها أطراف الحديث .
قالت أم فواز :
اتصلت بي منى من لبنان يوم السبت اللي راح وتقول ولد خالتها يبي يخطبها ، لا ، وتبي اللبناني يعيش عندنا في بيت فواز
ويربي البنات على كيفه .
قال وليد : معقول ! ! استرسلت أم فواز قائلة :
أنا لي أسبوع ما أنام أفكر في هذا الموضوع ، بنات فواز أمانة في رقبتنا،
ما أنسى لما وصاني عليهم و كأنه حس أنه ما رايح يخرج من غرفة العمليات ، عشان كذا قلت أستشيرك تتزوج منى تستر عليها و تربي بنات أخوك .
تفاجأ وليد من هذا الطلب فهو لا يفكر بالزواج الآن . ويتزوج من .. منى زوجة أخيه ؟ التي كانت تشرح له دروسه وتكتب له الواجب !
وليد يتذكر منى جيداً . يتذكر جمالها الفتان ورائحتها العطرة وملابسها المنتقاة بعناية "عندما تزوج فواز من منى كان عمر وليد ثلاثة عشر عاماً .
كان يلاحظ غمزات فواز لها وضحكاتهم المتعالية .
كيف ستصبح عروسه الآن ؟ ؟ ؟
الفصل الرابع
رضخ وليد لتوسلات والدته التي لا يستطيع أن يغضبها ، ولكي يحافظ على بنات أخيه اللاتي يحبهن حباً جماً ، كما أن منى جميلة ولا تقاوم .
صحيح أنه لم ينظر لها هذه النظرة من قبل إلا أنه بعد أن أقحمت والدته هذه الفكرة برأسه بدأ يتخيل أن تصبح منى زوجته .
وهي ذات الملامح الجميلة ! فكر وليد في ردة فعل أصدقاءه والمحيطين به ،
إلا أنه عليه أن يقدم تنازلات من أجل استقرار العائلة . بدأ الأمر يأخذ حيز الجد ، حيث قامت أم فواز بالاتصال على منى وزفت لها الخبر
حيث طلبت منها الحضور للسعودية هي و عائلتها لإتمام مراسم عقد القران ،
و أخبرتها أن موعد الزفاف سيكون في الإجازة الصيفية بحكم ارتباط وليد بالدراسة ،
أي أن الزفاف سيكون بعد خمسة أشهر . بدأ وليد بالاستعداد لذلك حيث حجز قاعة صغيرة تتسع لعائلتيها فقط
فبعد أسبوعين قدمت منى وعائلتها للمدينة وتمت الخطبة بشكل رسمي وحددوا موعد عقد القران ،
كان شعور منى غريباً فهي لا تعرف هل ستحبه كما أحبت أخيه فواز . ولا تعرف هل خطبها برضاه أم رغماً عنه ؟
خواطر كثيرة دارت في رأسها لكن ليس بيدها سوى الموافقة على الزواج و السباحة في بحر أمواج الحياة .
حان موعد عقد القران ، ظهرت منى كأجمل عروس بأجمل طله بابتسامتها الساحرة التي لم ترى منذ أن مرض فواز .
قدم وليد للصالة تلاقت أعينهما شعر أنه دقات قلبه أصبحت واضحة للجميع بدا محرجاً وسط زغاريد أخواته وضحكاتهن ، اقترب من منى ليضع ( الدبلة ) في إصبعها . وعندما وضعت ( الدبلة ) في إصبعه شعر أنه ارتبط الآن بمنى .
قام وليد ببعض التغيرات في بيت منى ، ليتناسب مع ذوقه العصري
في هذه الأثناء أقامت منى و بناتها في بيت أم فواز إلى أن ينتهي العمل في بيتها . اقترب العام الدراسي من نهايته ، و أقترب موعد الزفاف .
كانت منى و بناتها على أتم استعداد لهذا الاحتفال المبسط . فبناتها سعادتهم لا توصف بعمهم الذي سيصبح أباً آخر لهن .
أصبحت فرحة وليد فرحتين فرحة بالنجاح وفرحة بالزواج .عاشا سعادة لا يعكر صفوها شئ سوى أن أم فواز تمنع بنات فواز من السفر للبنان .
مرت السنين وتخرج وليد من الجامعة و أصبح معلم ، في بداية مشواره المهني تم
تعيينه في منطقة بعيدة فكان لا يأتي إلا إجازة نهاية الأسبوع . ثم استقر في المدينة بعد سنتان .
أنجبت منى من وليد بنت جميلة جداً ثم ولدين . ركضت بهم السنين بسرعة البرق ، و دارت بهم أجمل الذكريات ، وكبرن بنات فواز وأصبحن عرائس جميلات يتهافت عليهن العرسان ، لكن وليد لم يوافق إلا على أولاد أخته الذين يعرفهم جيداً ،
ما أسرع الأيام ! ! فمنى التي كانت عروس قبل عدة سنوات
هاهي تصبح الآن أم لأجمل عروستين . وتزفهما لبيت أزواجهن .