يحكي صلاح الدين الصفدي في " الوافي بالوفيات " في ترجمة الإمام القرطبي المفسر ، حادثة وقعت بين الإمام القرطبي ( أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطبي ، ت. 671 هـ )، صاحب التفسير المشهور ، والإمام القرافي ( شهاب الدين أحمد بن إدريس الصنهاجي ، ت. 684 هـ ) ، الأصولي والفقيه المالكي المشهور ، صاحب المؤلفات العديدة في الفقه والأصول ، كالذخيرة والفروق والتنقيح .
يقول الصفدي :
" ترافق القرطبي المفسر والشيخ شهاب الدين القرافي في السفر إلى الفيوم ، وكل منهما شيخ فنه في عصره : القرطبي في التفسير والحديث والقرافي في المعقولات . فلما دخلاها ارتادا مكانا ينزلان فيه ؛ فدلا على مكان ، فلما أتياه قال لهما إنسان : " يا مولانا ! بالله لا تدخلاه ! فإنه معمور بالجان !". فقال الشيخ شهاب الدين [ القرافي ] للغلمان : " ادخلوا ! ودعونا من هذا الهذيان !". ثم إنهما توجها إلى جامع البلد إلى أن يفرش الغلمان المكان ، ثم عادا. فلما استقرا بالمكان سمعا صوت تيس من المعز يصيح من داخل الخرستان ، وكرر ذلك الصياح؛ فامتقع لون القرافي ، وخارت قواه ، وبهت . ثم إن الباب فتح وخرج منه رأس تيس وجعل يصيح؛ فذاب القرافي خوفا ، وأما القرطبي فإنه قام إلى الرأس وأمسك بقرنيه وجعل يتعوذ ويبسمل ويقرأ : " آلله أذن لكم أم على الله تفترون "، ولم يزل كذلك حتى دخل الغلام ومعه حبل وسكين ، وقال : "يا سيدي تنح عنه !"، وجاء إليه وأخرجه وأتكاه وذبحه ؛ فقالا له : "ما هذا ؟!" فقال : "لما توجهتما رأيته مع واحد ؛ فاسترخصته واشتريته لنذبحه ونأكله ، وأودعته في هذا الخرستان ". فأفاق القرافي من حاله وقال : " يا أخي ! لا جزاك الله خيرا ! ما كنت قلت لنا ؟! وإلاَّ طارت عقولنا !