1- إقسامه (سبحانه) ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته .. فالقسم إما على جملة خبرية - وهو الغالب - كقوله تعالى: {فورب السماء والأرض إنه لحق}،
وإما على جملة طلبية، كقوله تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون}، مع أن هذا قد يراد به تحقيق المقسم عليه، فيكون من باب الخبر، وقد يراد تحقيق القسم، والمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه، فلابد أن يكون بما يحسن فيه ذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها فأما الأمور الظاهرة المشهورة كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها..
2- وهو سبحانه يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب
وتارة يحذفه، كما يحذف جواب (لو) كثيرا، كقوله تعالى: {كلا لو تعلمون علم اليقين} وقوله: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض}..ومنه قوله تعالى:
{ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب} فالمعنى في أظهر الوجهين :
لو يرى الذي ظلموا في الدنيا إذ يرون العذاب في الآخرة والجواب محذوف..
3- القسم لما كان يكثر في الكلام اختصر فصار فعل القسم يحذف ويكتفى بالباء، ثم عوض من الباء الواو في الأسماء الظاهرة، والتاء في أسماء الله، كقوله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} وقد نقل: ترب الكعبة..
4- هو سبحانه يقسم على أصول الإيمان التي يجب على الخلق معرفتها، تارة يقسم على التوحيد وتارة يقسم على أن القرآن حق وتارة على أن الرسول حق وتارة على الجزاء والوعد والوعيد وتارة على حال الإنسان..
5- لفظ السعي: هو العمل، لكن يراد به العمل الذي يهتم به صاحبه ويجتهد فيه بحسب الإمكان، فإن كان يفتقر إلى عدو بدنه عدا، وإن كان يفتقر إلى جمع أعوانه جمع، وإن كان يفتقر إلى تفريغ له وترك غيره فعل ذلك..ولهذا قال في الجمعة: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}..وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون".. فلم ينه عن السعي إلى الصلاة؛ فإن الله أمر بالسعي إليها، بل نهاهم أن يأتوا إليها يسعون فنهاهم عن الإتيان المتصف بسعي صاحبه، والإتيان فعل البدن وسعيه عدو البدن وهو منهي عنه وأما السعي المأمور به في الآية: فهو الذهاب إليها على وجه الاهتمام بها والتفرغ لها عن الأعمال الشاغلة من بيع وغيره والإقبال بالقلب على السعي إليها..
6- قال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقّ} وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } وقال تعالى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} فهذه ثلاثة مواضع لا رابع لها يأمر نبيه أن يقسم على ما أقسم عليه هو سبحانه من النبوة والقرآن والمعاد..
7- المراد باللوامة، هل هي خاصة أم عامة؟: قال ابن عباس: كل نفس تلوم نفسها يوم القيامة، يلوم المحسن نفسه أن لا يكون ازداد إحسانا، ويلوم المسيء نفسه أن لا يكون رجع عن إساءته واختاره الفراء، قال: ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها، إن كانت عملت خيرا قالت: هلا ازددت خيرا، وإن كانت عملت سوءا قالت: يا ليتني لم أفعل. والقول الثاني: أنها خاصة، قال الحسن: هي النفس المؤمنة، وأن المؤمن والله لا تراه إلا يلوم نفسه على كل حالة؛ لأنه يستقصرها في كل ما تفعل، فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه. والقول الثالث: أنها النفس الكافرة وحدها، قاله قتادة ومقاتل، وهي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله..
8- (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها): قال الحسن: قد أفلح من زكى نفسه وحملها على طاعة الله، وقد خاب من أهلكها وحملها على معصية الله، وقاله قتادة، وقال ابن قتيبة: يريد أفلح من زكى نفسه أي نماها وأعلاها بالطاعة والبر والصدقة واصطناع المعروف، وقد خاب من دساها أي: نقصها وأخفاها بترك عمل البر وركوب المعاصي، والفاجر أبدا خفي المكان زمن المروءة غامض الشخص ناكس الرأس فكأن المتصف بارتكاب الفواحش دس نفسه وقمعها ومصطنع المعروف شهر نفسه ورفعها، وكانت أجواد العرب تنزل الربى ويفاع الأرض لتشهر أنفسها للمنتفعين وتوقد النيران في الليل للطارقين...وقال أبو العباس: سألت ابن الأعرابي عن قوله: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} فقال: دسى معناه: دس نفسه مع الصالحين وليس منهم وعلى هذا فالمعنى أخفى نفسه في الصالحين يرى الناس أنه منهم وهو منطو على غير ما ينطوي عليه الصالحون..
9- (ذكر ثمود في سورة الشمس): ذكر في هذه السورة ثمود دون غيرهم من الأمم المكذبة، فقال شيخنا: هذا والله أعلم من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ فإنه لم يكن في الأمم المكذبة أخف ذنبا وعذابا منهم. قلت –ابن القيم-: وقد يظهر في تخصيص ثمود ههنا بالذكر دون غيرهم معنى آخر وهو أنهم ردوا الهدى بعد ما تيقنوه وكانوا مستبصرين به..فكان في تخصيصهم بالذكر تحذير لكل من عرف الحق ولم يتبعه وهذا داء أكثر الهالكين وهو أعم الأدواء وأغلبها على أهل الأرض...