( الفكر الجامي في "السعودية" .. وفصل الدين عن الدولة ))
إن أول ما يبرز في ذهن أي قارئ حينما نتحدث عن ( فصل الدين عن الدولة )، أننا غالبًا ما نتحدث عن ( العَلمانية / اللا دينية )، تلك الحركة الفكرية المناهضة للدين، والتي بدأت في الثورة الفرنسية، حينما طالب الفرنسيون بتقليص نفوذ السُلُطات الكنسية على مصالحهم، والتي كان أبرز دعاتها هم من اليهود، بما يُساعدهم على زيادة نفوذهم في ذلك المجتمع ..
غير أننا اليوم، نتحدث عن نوعٍ آخر من الفصل بين الدين والدولة، وأعني به الفصل على أساسٍ ديني ــ مُكذوب ــ بدأ في الانتشار في العالم الإسلامي، وخاصةً في أهم دوله وأرض مقدساته، "المملكة العربية السعودية"، بعد الفشل الذريع، الذي واكب دعوات الفصل تلكَ فيها، على أسسٍ ( لا دينية ) بدأت منذ خمسينات القرن الميلادي المنصرم ..
فحينما وصلت دعوات فصل الدين عن الدولة إلى "السعودية" آنذاك ــ في محاولةٍ استعماريةٍ لمواصلة تمزيق الأمة، وعدم التفافها مجددًا حول عقيدتها الإسلامية، وهو ما برز في حقيقة أن أبرز الدعوات اللا دينية، بدأت عبر النصارى العرب ــ ، تحت الشعارات القومية، فشلت لعدة أسباب، كان منها وضوح العداء الذي تكنه تلك الشعارات للثوابت الدينية التي نشأ عليها أبناء هذه "المملكة" ولا يُمكن لهم التفريط فيها ..
هذا الرفض الشعبي لمشروع ( فصل الدين عن الدولة ) في "السعودية"، واكبه يقينٌ بارتباط النهج الديني باستقرار الحكم من قِبل قيادات بلادنا المتعاقبة، منذ أيام المؤسس الملك "عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود" رحمه الله ..
إذن .. وسط أجواء الرفض تلك ، كيف يُمكن تمرير مشروع (فصل الدين عن الدولة ) إلى داخل عاصمة الإسلام الأولى في هذا الزمان ؟!
لا شك أن الإجابة التي تفتقت عنها أذهان مخططي ذلك المشروع، هو أن يتسلل مشروع ( الفصل ) عبر أقنعةٍ دينيةٍ ــ بدلاً من اللا دينية التي اتضح فشلها ــ ، تدَّعي الحديث ان الدين والحكمَ بأحكامه !
غير أن هذا يفترض التغطية على حقيقة أهداف شبح ( الفصل الديني ) هذا، بأن يدَّعي أتباعه الولاء التام للقيادة السياسية في بلادنا، والعائلة الحاكمةِ فيها .. وأن يُبرزوا أنفسهم أكثر الناس قُربًا لها وعلاقةً بها .. لزيادة ثقة القيادة بهم، ولوضع ( هامشِ رعبٍ ) لدى كل من يحاول أن يُبرز حقيقتهم، أو خطورتهم الفعلية ..
ومن هنا .. نشأت ( ) لتكون وأتباعها ــ علموا بذلك أو لم يعلموا ــ من يُمثل دور ( الفصل بشكله الديني ) على المسرح المُجتمعي السعودي !
إن الواقع المُشاهد من قِبل الجميع اليوم، يُبرز أن دعوة ( فصل الدين عن الدولة )، بدأت في البروز مؤخرًا مع ( الجاميين )، الذين نجحوا في ( تصنيف وتحزيب وتقسيم ) المجتمع ورجالاته، إلى تصنيفاتٍ منوعةٍ بهدف ضرب الأساس الديني الذي تقوم عليه هذه البلاد ..
والمثير للسخرية، أن أصحاب التصنيف هؤلاء صنفوا وحزَّبوا كل من يرفض التصنيف والتحزيب والانتساب إلى ما خلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي تجاهلوا تمامًا، شركائهم في مشروع الفصل، وأعني بهم شركائهم في الشطر ( اللا ديني ) من الفكرة، فلم يحدث أن رأيت مِن ( الجاميين ) من يوضح حقيقة ( العَلمانيين ) السعوديين ، بأفكارهم الشيوعية والاشتراكية والديمقراطية، ولا حتى الحديث عن ( الموضة اللا دينية ) الجامِعة حاليًا، ألا وهي ( الليبرالية ) !
بل إن أحد أبرز الكُتاب ( الجاميين ) حاليًا .. خرج للقول بأنه لا وجود أصلاً لـ( العَلمانيين ) في "السعودية !!
كما خرج أحد أبرز ( العَلمانيين ) ليردد نفس ( الشعارات )، في تلفيق التهم لبعض المفكرين الإسلاميين !