قراءة أولية في تفجيرات شرم الشيخ
تقارير رئيسية :عام :السبت 17 جمادى الآخر 1426هـ – 23يوليو 2005م
مفكرة الإسلام: لا يمكن بحال أن نتناول التفجيرات التي وقعت صبيحة يوم السبت 23 يوليو في منتجع شرم الشيخ بمعزل عما يدور على المستوى العالمي من أحداث, لاسيما ما يدور على الساحة العراقية والفلسطينية, وما وقع في العاصمة البريطانية من تفجيرات في السابع من هذا الشهر, ثم في الحادي والعشرين من الشهر ذاته.
وإذا ما سايرنا المؤشرات الأولية التي تُحمّل جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة المسؤولية عن هذه التفجيرات, فإن قراءتنا الأولية تشير إلى عدة ملاحظات:
· أولاً: تقنية العملية يشير إلى أنها على مستوى عالٍ من التخطيط يصعب على جماعات محلية محدودة أن تقوم به, كما أن تلك الجماعات المعروفة لدى جهات الأمن والتي كانت تتبنى عمليات العنف - ومنها الجماعة الإسلامية وحركة الجهاد المصرية - لا يسعها القيام بتلك الأعمال.
فالجماعة الإسلامية يعنيها إلى حد بعيد تأكيد نبذها للعنف وتأكيد خيارها السلمي الذي دشنته في مراجعاتها, كما أن جماعة الجهاد قد أوقفت منذ زمن عملياتها في مصر, والضربات الأمنية التي تلقتها لا نظن أنها ستمكنها من القيام بعملية على هذا المستوى.
· ثانيًا: أنها جاءت متشابهة من حيث التقنية ومتقاربة من حيث الزمن مع التفجيرات التي ضربت العاصمة البريطانية لندن, ما يعطي بعدًا وملمحًا إلى وجود مخطط على مستوى عالمي يحدد بدقة تقنين وتوقيت تلك العمليات وأماكنها, وأنها جزء من مخطط كبير يستهدف فيما يبدو أكثر من عاصمة لها ارتباط بما يدور في العراق وفلسطين.
· ثالثًا: لو صح نسبة هذه العمليات إلى تنظيم القاعدة فإن تلك التفجيرات تعطي انطباعًا قريبًا من الصحة بأن التنظيم بات أقل مركزية, وأنه يعتمد في عملياته على خلايا محلية للقيام بالعمليات التي يريدها, وأن عمليات التجنيد التي يقوم بها أو الاستقطاب لا تقتضي انتقال تلك العناصر, بل يتم في أماكن تواجدها من خلال التثقيف غير المباشر.
بمعنى آخر, باتت الملاحقة والتعامل مع هذا التنظيم أشد صعوبة, لأنه يعتمد على عدد محدود جدًا من القيادة المركزية التي توجّه بصورة ما المئات من الخلايا النائمة التي ربما لم تكن معروفة من قبل للجهات الأمنية المحلية.
· رابعًا: ضرب أكثر من عاصمة في وقت متقارب منها الغربية والعربية يشير إلى أن مرتكبي تلك التفجيرات سيصعدون من عملياتهم, وأنهم بتلك التفجيرات يبعثون برسالة عالمية تتمحور حول قدرتهم على الضرب في أي مكان وفي أي وقت, وأنه لا يمكن وقف عملياتهم بحال, وأنهم ماضون في 'ضربات الاستنزاف' حتى تحقيق المراد.
· خامسًا: من الملاحظ في التفجيرات أنها لا تستهدف مؤسسات حكومية ولا شخصيات سياسية ذات شأن, ولكنها تركز على أهداف مدنية, أي أنها تحاول جر الشعوب إلى الصراع, من خلال الضغط عليها لتحدث بدورها الضغط المطلوب على ساستها للتراجع عن برامجهم وخططهم التي ترغب تلك الجهات في عرقلتها ووقفها.
لماذا مصر ولماذا شرم الشيخ؟
قد تكون التفجيرات التي ضربت العاصمة البريطانية لندن ما يبررها ـ من وجهة نظر مرتكبيها ـ والتي تتمثل في تقويض الدعم البريطاني للاحتلال الأمريكي للعراق, والحد من وقوفها بصورة كبيرة خلف الحرب الأمريكية على الإرهاب, ولكن ما نريد أن نتوقف معه, والسؤال المهم الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: لماذا مصر؟ ولماذا شرم الشيخ؟!!
بداية نقول: تلك التفجيرات ليست بمعزل عن الحادث الإجرامي الذي راح ضحيته السفير المصري في العراق إيهاب الشريف, ويبدو أن مرتكبي هذه التفجيرات أرادوا إرسال رسالة أكثر قوة إلى القيادة المصرية من خلال هذه التفجيرات تدور حول ما تقول: إنه دعم للوجود الأمريكي في العراق والقيام بأدوار غير مرضية على صعيد القضية الفلسطينية.
نشير هنا إلى عدة ملاحظات حول مضمون الرسالة التي أراد مرتكبو تلك التفجيرات إرسالها للقيادة المصرية:
· أولاً: أنها رسالة سياسية كونها وقعت في يوم الاحتفال بثورة 23 يوليو, وهي الثورة التي تستمد منها القيادة السياسية شرعيتها.
كما أن في هذه المناسبة كان من المتوقع أن يلقي الرئيس المصري فيها خطابًا للشعب, ورجح البعض أن يقوم الرئيس المصري أن يعلن فيه ترشيحه لفترة رئاسية جديدة.
بمعنى أكثر وضوحًا فإنها ضربة ـ بحسب مرتكبيها ـ في شرعية النظام الذي يستمد منه بقاءه ووجوده في سدة الحكم.
· ثانيًا: أنها استهدفت مدينة شرم الشيخ, والتي تعد إلى حد كبير العاصمة السياسية لمصر, حيث تعقد فيه الاجتماعات واللقاءات السياسية, وقد استضافت العديد من المؤتمرات الخاصة بالقضية الفلسطينية والعراقية.
فقد استضافت في يوم الثلاثاء 7/2/2005 المؤتمر الرباعي [الرئيس المصري, والرئيس الأردني, والرئيس الفلسطيني, ورئيس الوزراء الصهيوني], وهو المؤتمر الذي تم من خلاله الإعلان عن وقف الأعمال المسلحة الموجهة ضد الصهاينة.
كما استضافت يومي 22 و23/11 من العام 2004 مؤتمرًا عالميًا لمناقشة الشأن العراقي, وتم من خلاه شرعنه الاحتلال الأمريكي للعراق.
· ثالثًا: ربما يكون لدعوة مصر إلى عقد مؤتمر دولي لمناقشة الإرهاب وسبل مواجهته في مدينة شرم الشيخ أيضًا أثر في استهداف مصر دون غيرها من الدول العربية التي ربما تكون أبعد شأنًا في دعم الاحتلال الأمريكي في العراق.
إذ إن مصر بهذه الدعوة أدخلت نفسها في مواجهة عالمية مع القاعدة, وارتضت لنفسها أن تكون داعمة للتوجه الأمريكي في هذا الشأن.
· رابعًا: أنها ضربة أمنية لافتة؛ حيث إنها وقعت في أكثر المدن المصرية تأمينًا, فمدينة شرم الشيخ يكثر فيها تواجد السياح, وبحسب ما ذكر وزير الداخلية المصري فإن المدينة شهدت خلال الأيام الماضية التي أعقبت تفجيرات لندن تكثيفًا أمنيًا.
وهذا يعنى ـ بلغة مرتكبي الحادث ـ أنه ليس في مصر مكان آمن, وأنها لا تستطيع حفظ أمنها في أكثر المناطق حيوية وتأثيرًا, فضلاً عن دخولها في ارتباطات أمنية مع 'إسرائيل' لتامين ممر فيلاديلفي أو غيره.
المواجهة.. لماذا تفشل؟
لا شك أن التعامل الأمني فقط مع تلك الهجمات المؤدلجة لم يسفر عن نتائج إيجابية كبيرة, فما زالت الدوافع التي تقود إلى هذه العمليات موجودة, وربما تظل إلى فترة غير بعيدة ما لم يمكن خلق المناخ المناسب للتعامل معها.
ورؤيتنا في التعامل معها تتمثل في الآتي:
· أولاً: عدم التورط في معاملات مشبوهة مع قوات الاحتلال أيًا كان نوعها ومكانها, والتفرقة بدقة بين عمليات المقاومة وعمليات الإرهاب, ففي حين تستحق الثانية الشجب والإدانة فالأولى تستحق الدعم والتأييد من جانبها.
ولاشك أن جماعات العنف تلجأ دائمًا لتبرير عملياتها المتنوعة بالاحتلال الجاثم على أراضي المسلمين والانتهاكات التي تلحق بالشعوب ومقدساتها.
بمعنى آخر لابد أن تكون للحكومات العربية مواقف واضحة من الاحتلال ودعم المقاومة لتفويت الفرصة على دمغها بالكفر وخندقتها في خانة المعادين.
· ثانيًا: إعادة النظر في سياسات 'تجفيف المنابع' التي اتبعتها العديد من الأنظمة؛ لأنها أدت فيما يبدو لنا إلى نتائج عكسية, حيث فتحت المجال متسِعًا لتيارات العنف على حساب التيارات الأخرى.
وعلى ذلك فنرى ضرورة فتح المجال للتوجهات الإسلامية المتزنة التي يساهم خطابها الفاعل في تحجيم الفكر العنيف, ولا يمكن في هذا المجال التعويل على الخطاب الرسمي؛ لأنه ما زال غير مقبول على أكثر من صعيد ولأسباب نظنها معلومة للجميع.
· ثالثًا: لابد من تهيئة المناخ السياسي لمزيد من الحرية, لأن القبضة البوليسية المشددة التي تتعامل مع ملفات دينية وفكرية أثبتت إلى حد بعيد فشلها, وربما تؤدي إلى نجاحات محدودة, ولكن على البعد الاستراتيجي نجد أنها تساهم إلى حد بعيد في نمو التوجهات ذات الميول العنيفة.
وما نريد أن نقوله أخيرًا: إن المواجهة مع فكر العنف لن يكفي فيها المواجهة الأمنية فقط, وإنما لابد من التعامل فكريًا وسياسيًا مع تلك الظاهرة, والنظر إلى الأبعاد الاستراتيجية وعدم الالتفات فقط إلى النجاحات المحدودة في تصفية خلية أو أخرى, فيما يبقى الفكر ذاته متجذرًا يطل برأسه من جديد.
أعده: عصام زيدان
مفكرة الاسلام