يا أخي ( الخروج من الهم )
بعطيك أحاديث ثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -
في حكم الشرب واقفا
في صحيح مسلم عن أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم: لا يشربن أحد منكم قائما، فمن نسي فليستقئ. وفيه عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما. وفيه عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما.
فهذه الأدلة تدل على تحريم الشرب واقفا ولكن العلماء
اختلفوا في هذه المسألة
قال بن حجر- رحمه الله - في شرح صحيح البخاري
( وسلك العلماء في ذلك مسالك : أحدها : الترجيح وأن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي , وهذه طريقة أبي بكر الأثرم فقال : حديث أنس - يعني في النهي - جيد الإسناد ولكن قد جاء عنه خلافه , يعني في الجواز , قال : ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز أن لا يكون الذي يقابله أقوى لأن الثبت قد يروي من هو دونه الشيء فيرجح عليه , فقد رجح نافع على سالم في بعض الأحاديث عن ابن عمر وسالم مقدم على نافع في الثبت , وقدم شريك على الثوري في حديثين وسفيان مقدم عليه في جملة أحاديث . ثم أسند عن أبي هريرة قال : " لا بأس بالشرب قائما " قال الأثرم : فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست ثابتة , وإلا لما قال لا بأس به , قال : ويدل على وهاء أحاديث النهي أيضا اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب قائما أن يستقيء .
المسلك الثاني : دعوى النسخ , وإليها جنح الأثرم وابن شاهين فقررا على أن أحاديث النهي - على تقدير ثبوتها - منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز , وقد عكس ذلك ابن حزم فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي متمسكا بأن الجواز على وفق الأصل وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع . فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان , فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال . وأجاب بعضهم بأن أحاديث الجواز متأخرة لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما سيأتي ذكره في هذا الباب من حديث ابن عباس , وإذا كان ذلك الأخير من فعله صلى الله عليه وسلم دل على الجواز , ويتأيد بفعل الخلفاء الراشدين بعده .
المسلك الثالث : الجمع بين الخبرين بضرب من التأويل , فقال أبو الفرج الثقفي في نصره الصحاح : والمراد بالقيام هنا المشي , يقال قام في الأمر إذا مشى فيه , وقمت في حاجتي إذا سعيت فيها وقضيتها , ومنه قوله تعالى : ( إلا ما دمت عليه قائما ) أي مواظبا بالمشي عليه . وجنح الطحاوي إلى تأويل آخر وهو حمل النهي على من لم يسم عند شربه , وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الأحاديث لم يسلم له في بقيتها . وسلك آخرون في الجمع حمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه , وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين , وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض , وقد أشار الأثرم إلى ذلك أخيرا فقال : إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم , وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزا ثم حرمه أو كان حراما ثم جوزه لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بيانا واضحا , فلما تعارضت الأخبار بذلك جمعنا بينها بهذا . وقيل إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به , فإن الشرب قاعدا أمكن وأبعد من الشرق وحصول الوجع في الكبد أو الحلق , وكل ذلك قد لا يأمن منه من شرب قائما . وفي حديث علي من الفوائد أن على العالم إذا رأى الناس اجتنبوا شيئا وهو يعلم جوازه أن يوضح لهم وجه الصواب فيه خشية أن يطول الأمر فيظن تحريمه , وأنه متى خشي ذلك فعليه أن يبادر للإعلام بالحكم ولو لم يسأل , فإن سئل تأكد الأمر به , وأنه إذا كره من أحد شيئا لا يشهر باسمه لغير غرض بل يكني عنه كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل في مثل ذلك )
العلماء الذين أجازوا الصبغ بالسواد وهم أكثر العلماء وأعلم من علمائنا وأعلم بأحاديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - منهم كأبي حنيفة ومالك وأحمد وابن تيمية وابن القيم وغيرهم
( اللهم اجعلهم جميعا في الفردوس الأعلى )
ولكن كل عالم له فهمه واستباطه الذي وهبه الله تعالى -
ولا يعنف المخالف اذا كان معتمدا على أدلة أخرى
أو قرائن أخرى .
جزاك الله خيرا