عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد. قال حسين: كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة»
حديث ابن عباس الذي أخرجه احمد و ابو داود وابن ماجه والنسائي من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن سعيد بن جبير عنه ، من الاحادبث المشكلة التي اختلفت في فقهه افهام الائمة الاعلام ،بعد أن اختلفوا في قبوله ورده ، فمن رده أعله بعلتين حديثيتين وعلتين أصوليتين ، فأما العلتان الحديثيتان فاحداهما اختلافهم في عبد الكريم الراوي عن ابن جبير ،فزعموا أنه عبد الكريم بن ابي المخارق وضعفوا الحديث بسببه بل غالى بعضهم فحكم عليه بالوضع . قالوا وقد يجوز انه عبد الكريم بن مالك الجزري الثقة ،و هو احتمال موجب لسقوط الاستدلال .واماالعلة الاخرى فاختلاف الرواة في رفعه ووقفه ،بل قد جاء موقوفا على مجاهد وهذا يشعر بقلة ضبط رواته.
و أما العلتان الاصوليتان فإحداهما معارضته لاطلاق صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم:غيروا هذا الشيب،فلا قيد ولا عين ،ولاجائز القول بالتقييد بحديث ابن عباس لاختلاف درجة صحة الدليلين .
والعلة الثانية هي ان الشريعة جاءت بتحريم المضار الحادثة عن الافعال والاقوال ومهما خلت من ذلك لم يجز الحكم عليها تحليلا أو تحريما ،و إنما شأنها شأن العادات والاعراف في ترك التعرض لها بالحظر إلا ان ينشأ عنها ضرر.فأما أن يكون مثل هذا العمل "الصبغ بالسواد" موجب لدخول النار والحرمان من الجنة فأمر غير معهود في موارد الشريعة الاسلامية .
وجنح بعض اهل العلم الى تصحيح الحديث ثم اختلفوا ، فمنهم من اخذ بظاهره فكره الصبغ بالسواد بل عده بعضهم من الكبائر !! ومال آخرون الى التأويل ،فقالوا : إنه وارد في حق قوم مذمومين من سيماهم الصبغ بالسواد،فالوعيد متعلق بهم لا بفعلهم هذا، تماما مثل قوله في : سيماهم التحليق .
قال ابو العلياء: واسعد الاقوال وارجحها آخرها. ومن راعى حرمة السبطين ،وعدالة من فعله من الصحابة المعروفين، لم يجترئ على نسبة اتيان الكبيرة اليهم .والله الهادي لا رب سواه .