الرجوع إلى القرى وهجر المدن
ازرع وربي مواشي وعيش ملك زمانك
روى ابن شيبة عن صالح بن كيسان قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة في موضع بقيع الزبير فقال: «هذا سوقكم». فأقبل كعب بن الأشرف فدخلها وقطع أطنابها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا جرم لأنقلنّها إلى موضع هو أغيظ له من هذا»، فنقلها إلى موضع سوق المدينة، ثم قال: «هذا سوقكم، لا تتحجروا، ولا يضرب عليه الخراج (السمهودي 1419هـ/ ج2/257).
فكان من فن إدارة الأزمة التركيز على الهدف الرئيس، وعدم التورط في أحداث جانبية، لذلك نرى حنكة النبي صلى الله عليه وسلم في تجاهل فعل ابن الأشرف، ذلك لأنه حديث عهد في المدينة ويريد تفويت الفرصة على من يريدون الاصطياد في الماء العكر، من يهود ومنافقين، والتركيز على الهدف الرئيس وهو معالجة الوضع الاقتصادي للمهاجرين.
ولأجل ضمان إدارة الأزمة (إرساء السوق)، لابد من تحديد القواعد والإجراءات التي ينبغي التعامل بها، لذلك نجد حرصه صلى الله عليه وسلم على توفير البيئة الملائمة لعمل السوق، وذلك من خلال:
– تحريم الاحتكار.
– توفير الحرية الاقتصادية لكافة المتعاملين وإعفائهم من الرسوم.
– تحريم أساليب الغش والغرر وغيرها.
– توفير المعلومات كاملة عن السلع الموجودة في السوق.
– توحيد المكاييل والموازين.
– تحريم التعامل الربوي (العاني 1995/ 23-25).
وبالتالي تحققت عناصر استراتيجية حل الأزمة، والمتمثلة في توفير المعلومات اللازمة عن أسس التعامل في السوق، ورعايته وعطفه على المتعاملين فيه، فقد ورد تفقده صلى الله عليه وسلم لأحوال السوق، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟»، قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني»؛ رواه مسلم، حديث 102.
ومن الملاحظ أيضا تفوقه صلى الله عليه وسلم في حل الأزمة من خلال أساليب لم يعرفها علم الإدارة إلاّ في وقتنا الحاضر، عن طريق تفريغ الأزمة من مضمونها إذ لا يمكن لأزمة أن تنفذ في المنظمة وتؤدي إلى إحداث تأثيرات جوهرية إذا لم يكن اتفاق بين قوى الأزمة على مضمونها. فالنجاح في إفقاد الأزمة لمضمونها من خلال أساليب كثيرة مثل:
– عقده صلى الله عليه وسلم تحالفات مع قوى الأزمة) اليهود) وثيقة موادعة اليهود في المدينة.
– متابعة السوق وتكليف كبار الصحابة بإدارته.
كما تفوق النبي صلى الله عليه وسلم في تحويل مسار الأزمة عن طريق استيعاب نتائجها والاعتراف بأسبابها ثم التغلب عليها ومعالجة نتائجها، حيث تم تحويل الأزمة من سلبية إلى إيجابية.
ثانياً – الحل النبوي للأزمة الاجتماعية:
كان لابد من حل سريع لمعالجة الأزمة الاجتماعية التي عانى منها المهاجرون، فكانت الحكمة الإلهية متجسدة في موقف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من سَنّه لنظام المؤاخاة، فآخى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار (ابن هشام 2004 – 2/123).
لقد كان نظام المؤاخاة حلاً للمشكلات الاقتصادية، قال المهاجرون: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلاً في كثير، كفونا المؤونة وأشركونا في المهنة حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، قال: «لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم لهم»، أي فإن ثناءكم عليهم ودعاءكم لهم حصل منكم به نوع مكافأة (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، محمد رشيد رضا، المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار).
وفي الوقت نفسه أوجد النبي صلى الله عليه وسلم حلاً للمشكلات الاجتماعية للمهاجرين والأنصار. حيث أراد صلى الله عليه وسلم أن يبدل مفهوم الحليف بنظام أرقى يساوي فيه أتباعه من الفئتين، فكان الغرض من المؤاخاة إرساء القواعد الجديدة للمجتمع الإسلامي والقضاء على النزعة القبلية للإنسان العربي بنظام قائم على أساس الأخوة الإسلامية التي هي أعلى من كل ارتباط، وإبعاد أي فكرة لدى الأنصار بأن الذين قدموا إليهم هم حلفاء للأوس والخزرج، فقد قال ابن حجر العسقلاني: «إن معنى الحلف في الجاهلية معنى الحلف في الإسلام، ولكنه جار في الإسلام على أحكام الدين وحدوده، وحلف الجاهلية جرى على ما كان يتواضعونه بينهم بآرائهم ( ابن هشام، 2004 – 2/373). ومن هنا كان اختلاف المؤاخاة عن أحلاف الجاهلية، فالمؤاخاة كانت قائمة على الدين وأحكامه وعلى المساواة بين المسلمين، بل تقدمت على الحلف «من حيث إن لها سمة اجتماعية أعمق وتتبعها التزامات مالية إسلامياً» (العلي، 2004/ 86)، والمؤاخاة في هذا الجانب بكونها نظاماً على المساواة بين المتآخين وتقديمها على علاقات النسب والأرحام تؤدي إلى إبعاد فكرة الأحلاف أو معاملة الأنصار للمهاجرين على أنهم حلفاء لهم، حيث أصبحت العلاقات قائمة على المساواة في الحقوق والواجبات، إضافة إلى الأبعاد الاقتصادية التي تضمنها.
إن سبب المؤاخاة كان اجتماعياً نفسياً، فقد «آخى بين أصحابه حين نزلوا المدينة ليذهب عنهم وحشة الغربة ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد أزر بعضهم ببعض، فلما ظهر الإسلام واجتمع الشمل ذهبت الوحشة (العسقلاني 1407ه – 4/267). ومن هنا كان السبب الاجتماعي في تخفيف حدة الغربة وما وقع على المهاجرين من آثار من عوامل إعلان المؤاخاة، فهي تؤدي إلى مواساة المهاجرين وتجعل لهم إخوة يعتنون بهم، ويقومون بشؤونهم حتى لا تؤثر عليهم مفارقة الأهل والوطن، فيسرت للمهاجرين صلة وثيقة بأهل المدينة من الأنصار، وخففت من عزلتهم، ووسعت نطاق علاقاتهم، وأمنت لهم ملجأ يعينهم على تخفيف الشدائد عنهم (صالح، 2014/ 6).
كما تمكن صلى الله عليه وسلم من حل الأزمة، عن طريق تفريغ الأزمة من مضمونها من خلال أساليب مثل: عقد تحالفات مع قوى الأزمة (الأنصار) من خلال المؤاخاة، وأخذ المواثيق من نقباء الأنصار.
كما تفوق صلى الله عليه وسلم في تحويل مسار الأزمة عن طريق استيعاب وضع المهاجرين والاعتراف بمعاناتهم الاجتماعية ثم التغلب على ذلك ومعالجة النتائج عن طريق المؤاخاة، حيث تم تحويل سلبيات الأزمة إلى حالة إيجابية.
الخاتمة
إن سيرته صلى الله عليه وسلم وحي للحياة في مختلف جوانبها، التعبدي والتعاملي، على مستوى الفرد والأسرة والمجموع، في إرساء أسس الدولة وفي سن قوانينها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
ولم تكن الهجرة سفراً قاصداً، فقد هُجر المال والعيال والأهل والعشيرة والوطن والسكن، طاعة لله ولرسوله وللنجاة بهذا الدين. فكان لابد من ظهور أزمات مختلفة رافقت تأسيس الدولة. هذه الأزمات كان لها أن تقضي على الدولة الناشئة الفتية بفعل الطابور الخامس من المنافقين واليهود، وبفعل الاضطهاد الدولي الخارجي من قريش، لولا لطف الله سبحانه ووحيه لنبيه صلى الله عليه وسلم باتخاذ ما يلزم لمعالجة تلك الأزمات. لما سبق فقد توصل الباحث لما يأتي:
1- الأزمة هي حالة طارئة تلحق الضرر بالمجتمع، وقد تؤدي إلى انهياره، وهي على أنواع منها الاقتصادية ومنها الاجتماعية.
2- كان الوضع الاقتصادي للمهاجرين صعباً، ولم يكن الأنصار أثرياء كي يتمكنوا من ردم الفجوة، بل إن مراكز القوة الاقتصادية كان يمسك بها اليهود.
3- أدى ذلك إلى ظهور أزمة اقتصادية واجتماعية توافقت مع خصائص الأزمة بالمفهوم المعاصر.
4- تمكنه صلى الله عليه وسلم من تحويل مسار الأزمة الاجتماعية عن طريق استيعاب وضع المهاجرين والاعتراف بمعاناتهم، ثم التغلب على ذلك ومعالجة النتائج عن طريق المؤاخاة، وتم بذلك تحويل سلبيات الأزمة إلى حالة إيجابية.
إن القيادة الحكيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثلت حجر الزاوية لنجاح تأسيس الدولة الإسلامية، وكيف لا وهو لا ينطق عن الهوى، أضف إلى ذلك حرصه ورحمته على رعيته مما ألهمه إلى إيجاد استراتيجيات لحل الأزمات، لم يعرفها علماء الإدارة إلا في عصرنا الحاضر.
منقول واتمنى وزير المالية الجدعان خريج دراسات اسلامية في الاقتصاد تصل الية ربما يكون نسي فنذكره ولا تقل عصر النبي غير عن عصرنا فالدين واحد والدول الاروبية جعلت هامش الفائدة 0 صفر خلال الازمة جائحة كرونا وغير ذلك مع فائق الاحترام