(تحقيقاً لا تعليقاً)
أن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى لما قدم التتر إلى أطراف البلد، وبقي الخلق في شدة عظيمة اجتمع بعض الناس في مدينة دمشق، وقرروا الخروج إلى قائد التتر لعلهم يثنونه على عزيمته في دخول المدينة، فوقف أمامه الشيخ رحمه الله تعالى، وقال له: "أنت تزعم أنك مسلم، ومعك مؤذنون، وقاض، وإمام، وشيخ على ما بلغنا، فغزوتنا، وبلغت بلادنا على ماذا"؟، وقرب إلى الجماعة يعني المسلمين طعام فأكلوا منه إلا الشيخ، فقيل له: ألا تأكل؟، فقال: "كيف آكل من طعامكم، وكله من مما نهبتم من أغنام الناس، وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس" يعني المسلمين، ثم أن قازان قائد التتر طلب من الشيخ الدعاء، فقال الشيخ في دعاءه: "اللهم إن كان هذا عبدك إنما يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا فانصره، وأيده، وإن كان إنما قام رياءً، وسمعة، وطلباً للدنيا، ولتكون كلمته هي العليا، وليذل الإسلام وأهله، فخذله، وزلزله، ودمره، واقطع دابره"، قال الراوي: وقازان يؤمن على دعاء الشيخ، ويرفع يديه، وقد ألقى الله تعالى في قلب التتر مهابة شيخ الإسلام، فكانوا يخافونه.
ثم أنه بعد ذلك حدثت موقعة شقحب المشهورة، التي كان فيها أول انتصار للمسلمين على التتر، وكان المحرك والسبب الذي قيضه الله لهذا الانتصار هو شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، فإنه قد اشترك بنفسه، ودعاءه، وعلمه، وتعليمه للناس، فكان يمر عليهم، ويعدهم بالنصر، ويقرأ عليهم آيات الجهاد، وكانت الموقعة في رمضان، فجعل يأكل، ويفطر أمامهم، ويأمرهم بالفطر، ويتأول حديث رسول الله ﷺ: إنكم ملاقوا العدو غداً فأفطروا فإنه أقوى لكم. وجعل يفطر أمامهم معلماً إياهم، ثم أنه جعل يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إن المسلمين لمنصورون، فكان بعض الناس يقولون له: قل إن شاء الله، فيقول: أقولها تحقيقاً لا تعليقاً، وكان يتأول آيات القرآن، ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُالحج60. فصار انتصار المسلمين على يديه، بفضل الله تعالى.