روى الإملم مسلم رحمه الله في صحيحه هذا الحديث عن فلسطين
مرَّ هِشَامُ بنُ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ علَى أُنَاسٍ مِنَ الأنْبَاطِ بالشَّامِ، قدْ أُقِيمُوا في الشَّمْسِ، فَقالَ: ما شَأْنُهُمْ؟ قالوا: حُبِسُوا في الجِزْيَةِ، فَقالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ في الدُّنْيَا. وَزَادَ في حَديثِ جَرِيرٍ: قالَ وَأَمِيرُهُمْ يَومَئذٍ عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ علَى فِلَسْطِينَ فَدَخَلَ عليه فَحَدَّثَهُ، فأمَرَ بهِمْ فَخُلُّوا.
شرح الحديث للإمام النووي
في هذا الحديثِ أنَّ هِشامَ بنَ حَكيمِ بنِ حِزامٍ رضِي اللهُ عنهما مرَّ على أُناسٍ منَ الأَنباطِ بالشَّامِ، "والأَنباطُ" هُم قومٌ منَ العَربِ، دَخلوا في العَجمِ والرُّومِ، واختَلَطَت أَنسابُهم، وفَسَدَت أَلسنَتُهم؛ سُمُّوا بذلِكَ لِمعرفَتِهم بأَنباطِ الماءِ واستِخراجِه؛ لكَثرةِ مُعالجتِهمُ الفِلاحةَ، قد أُقيموا، أي: أُوقِفوا، في الشَّمسِ؛ فسأَلَ ما شَأنُهم، أي: أَمرُهم؟ فأَجابوه: حُبِسوا في الجِزيةِ، أي: مِن أَجلِها وبِسببِها، أي: في تَحصيلِها وأَدائِها؛ فَقالَ هِشامٌ أَشهَدُ لَسمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَقولُ: إنَّ اللهَ يُعذِّبُ الَّذين يُعذِّبونَ النَّاسَ، أي: بِما يعُذِّبُ اللهُ بِه في العُقبَى؛ في الدُّنيا، أي: ظُلمًا بغَيرِ حقٍّ؛ وفي رِوايةٍ: وأَميرُهم يَومئذٍ عُميرُ بنُ سعدٍ عَلى فَلسطِينَ، فدَخَل عليه هِشامُ بنُ حَكيمٍ رضي اللهُ عنه، فحَدَّثه فأَمَر بِهم فخُلُّوا، أي: تَرَكَهم.
في الحديثِ: النَّهيُ عنْ تَعذيبِ النَّاسِ حتَّى الكُفَّارِ بغيرِ مُوجبٍ شَرعيٍّ.
وفيهِ: فَضلُ هِشامِ بنِ حَكيمٍ رضِي اللهُ عنه.
وفيه: استِجابَةُ الوُلاةِ لنَصيحَةِ العُلماءِ، وسُرعَةُ أخْذِهم بها وقيامُهم بما تضمَّنَتْه.