[quote=ملح+;47603276]( ___ نتابع معكم ياكرام------)
عمان دعا همدان فقال له: هذا الملك لك ولأصحابك فما رأيك في ذي رياش؟ قال له همدان: حبس بحبس لا عدوان فقبل منه وأحسن إليه وإلى أصحابه وأنشأ يقول:
إذا أنت عافرت الأمور بقدرة ... بلغت معالي الأقدمين الأقاول
فأما حمام النفس تلقاه عاجلاً ... وأما تراث الملك عن ملك وائل
فهل يدفع النعمان أمراً يريده ... وهل يتقي شر الذي غير نازل
إذا لم يكن بد من الموت حتمة ... فما تغن عني خافقات الجحافل
إذا لم يكن للمرء بد من التي ... تبذ الأماني عاجلاً أو بآجل
ويصبح في الأهلين يوماً جنازة ... ويلحق حتماً بالقرون الأوائل
علام يداري الدهر والدهر جائر ... ويرضى بظلم من يد المتطاول
ولكن نباني الملك في درج العلا ... كنجم اعوجاج من فنا الملك وائل
يفوز سعيداً أو يلاقي منية ... ويمسي على الدنيا بعيد المناهل
فما المرء للأيام تخلق نفسه ... وهل كانت إلا حيضة للقوابل
ألا أيها الراضي بأيسر خطة ... صبرت على خسف من الذل نازل
قيامك في الدنيا حياة لأهلها ... وصبرك عنها * غير طائل
إذا لم يكن للمرء عزم يزينه ... ولب يرى عيب القوي المخاتل
له سطوة تكسو العزيز مذلة ... وتهدي حتوفاً للنساء الحوامل
له علل تعلو النجوم وسطوة ... تصم فيخشى طرقها كل جاهل
وللموت خير من لباسك ذلة ... تجاذب مأسوراً صليل السلاسل
محلاً يراه الزائرون شماتة ... هواناً لمقدام العشيرة باسل
ال وهب: كانت حمير إذا لقي بعضها بعضاً يقولون: ما حال اليتيم يريدون بذلك النعمان بن يعفر فيقول بعضهم لبعض: أصبح اليتيم معافراً للملك وذلك لبيت قاله وهو:
إذا أنت عافرت الأمور بقدرة ... بلغت معالي الأقدمين المقاول
قال وهب: فسمى بذلك المعافر بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير.
قال وهب: وإن المعافر بن يعفر سار يريد أرض بابا ولم يكن للتبابعة ملك أرض بابل هي من الأرض وينبوع الناس فسار النعمان وهو المعافر راجعاً وسار بذي رياش معه لئلا يفتق عليه من بعده فتقاً، فسار النعمان حتى أخذا أرض بابل توجه يريد خراسان حتى بلغ صحراء بر فنظر عامر ذو رياش إلى أفعى رقشاء قد خرجت إليه من تحت فرشه فمد يده فأخذ ذنبها والحرس ينظرون إليه فحركه فعركه حتى حميت وتلمظت وهم لا يدرون ما يريد ثم نصب ذراعيه ولدغته فمات مكانه وأعلموا بذلك النعمان فقال: سابقته في ميدان الموت فسبقني، أما والله لو كنت أصبت مثل هذا لأرحت نفسي منه به واروه، ثم مضى يأخذ البلدان ويتأدى إليه الخراج حتى أتى الفرات فعبره إلى أرمينية فأخذها وقتل من عانده من ملوكها ووجد فيها لوكاً شتى. ثم مضى فعبر قنطرة سنجة إلى أرض الشام فأباح من وجد فيها من الملوك، ثم قفل إلى البلد الحرام راجعاً فنزل بمكة فأصاب بها نفيلة بن مضاض الجرهمي وجرهم من قحطان وكان بها ملكاً بعد موت نابت بن إسماعيل فقدم بالبيت قدار بن إسماعيل وأمر نفيل بن مضاض بقصد مكة ورجع
ى غمدان ومات بها فكان عمره في الملك ثلاثمائة سنة.
قال وهب: وإن النعمان وهو المعافر بن يعفر مات فقال لبنيه وقومه: لا تضجعوني فينضجع ملككم ولكن ادفنوني قائماً فلا يزال ملككم قائماً.
قال أبو محمد: قال أسد بن موسى عن أبي إدريس إن في خلافة سليمان ابن عبد الملك بن مروان فتحت مغارة في اليمن فأصابوا فيها جوهراً كثيراً وذهباً وسلاحاً ووجدوا فيها مالاً جسيماً ووجدوا فيها سارية من رخام قائمة ختم رأسها بالرصاص فاعلم بذلك سليمان بن عبد الملك فأمر بقلع ذلك الرصاص فأصابوا في السارية شيخاً واقفاً وعلى رأسه لوح من ذهب فيه بالحميرية:
أنا المعافر بن يعفر بن مضر ... نسبي إلى ذي يمن مقر
أسمو بحر مضري حر ... من فتن بالبائع المحفز
باسق فرع وصميم سر
قال أبو محمد: لقيت الليث بن سعد وهو من أهل مصر وولاة المعافر، وذلك أن عمرو بن العاص افتتح بعسكر معافر في سبعين ألفاً لم يكن معهم أحد غيرهم خلا كلب في ألف رجل وبهرة في ألف رجل ومهرة في ألف رجل فزعم الليث أن الشعر منحول وذلك فعل بني أمية ينتصرون بهم لمضر.
قال وهب: حدثني كعب الأحبار قال سمعت أهل الكتب الأول والأخبار المتقدمون يقولون أن حمير في الأرض كالسراج المضيء في الليلة وإن الناس ليريدون هكذا وخفض يده ويريد الله بهم هذا: ورفع يده.
[ملك شداد بن عاد]
قال وهب: ثم استجمع أمر حمير وبني قحطان على شداد بن عاد ملطاط بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان.
قال وهب: لما ولي (شداد بن عاد) الملك جمع الجنود وكان امرءاً حازماً فسار
يدوس الأرض وبلغ أرمينية الكبرى فقتل فيها كل ثائر بها ثم عبر الفرات إلى المشرق فبلغ أقصاها لا أحد يقف له إلا هلك، ثم مضى على ساحل سمرقند إلى أرض التبت، ثم عطف على أرمينية فأمعن، ثم جاز إلى الشام وبلغ إلى المغرب فأكثر الآثار في المغرب حتى بلغ البحر المحيط يبني المدن ويتخذ المصانع فأقام في المغرب مائتي عام، ثم قفل إلى المشرق فأنف أن يدخل غمدان ومضى إلى مأرب فبنى به القصر العتيق الذي يسميه بعض الرواة (ارم بن العماد) فلم يدع باليمن دراً ولا جوهراً ولا عقيقاً ولا جزعاً ولا بأرض بابل وأرسل في الآفاق بجمع ذلك جواهر الدنيا من الذهب والفضة والحديد والقصدير والنحاس والرصاص، فبنى فيه وزخرفه ورصعه بجميع ذلك الجواهر وجعل أرضه رخاماً أبيض وأحمر وغير ذلك من الألوان وجعل تحتها أسراباً فاض إليها ماء السد فكان قصراً لم يبن في الدنيا مثله ثم مات شداد بن عاد بعد أن عمر خمسمائة عام فنقبت له مغارة في جبل شمام ودفن بها وجعل فيها جميع أمواله.
قصة المغارة التي فيها شداد بن عاد
والصعاليك الثلاثة حين دخلوها وما جرى عليهم
تكمله -- حياكم الله
قال وهب: قال أبو محمد عبد الملك بن هشام، حدثنا زياد بن عبد الملك البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي عن عبيد بن شرية الجرهمي قال: حدثنا شيخ من أهل اليمن بصنعاء عام الردة وكان معمراً عالماً بملوك حمير وأمورها قال لنا: كان باليمن رجل من عاد بن قحطان وهو عاد الأصغر وأما عاد الأكبر فلم يبق منهم أحد. قال الله تعالى: {فهل ترى لهم من باقية} وإن هذا الرجل العادي كان يقال له الهميسع بن بكر وكان جسوراً لا يهاب أمراً وكان يعرف بذلك، وكانت الصعاليك تقصده من آفاق الأرض، وكان أكثر طلبه المغارات يطلبها في جبال اليمن وعمان والبحرين وأنه آتاه رجل فاتك من عبس وآخر من خزاعة وكانا
صعلوكين جسورين فقالا له: يا هميسع احملنا من أمرك على ما تريده فانا نبلغ مرادك، فمضى معهما الهمسيع حتى أتى بهما جبلاً وعليه غابة فيها ثعابين لا ترام الهميسع أمام الصعلوكين قد أتى الجبل مراراً وحده وكان إذا عاين الثعابين يجزع فيرجع فلما آتاه الصعلوكان جسر بهما وقال: الق رأسك بين اثنين ولو غم إلى الأذنين ثم أخذ سيفه وزناده ومشاعله وزاده وسار بهما حتى وصل إلى الجبل ولم يزل يترايا لهم الثعابين وتهرب حتى بلغ باب كهف عظيم وكأن الجبال على أكتافهم عظماً وثقلاً، ودخلت قلوبهم وحشة عظيمة وسمعوا من داخل الكهف دوياً عظيماً وخيمنة وعلى بابا الكهف نقش بالحميري فقالا له: اقرأ يا ميسع فقرأه فإذا هو مكتوب هذين البيتين:
لا يدخل البيت إلا ذو مخاطرة ... أو جاهل بدخول الكهف مغرور
إن الذي عنده الآجال حاضرة ... موكل بالذي يغشاه مأمور
فغاب الخوف والجزع على الخزاعي في أول أمره ثم أن الجزع أيضاً على العبسي فاستدرك نفسه العبسي وثبت فقال الخزاعي: يا هميسع قد عاش في الدنيا كثير ممن لم تبلغ نفسه هذا المبلغ - ثم ولى العبسي عن صاحبه
باً. فقال الهميسع: نمضي في هذا الكهف أم لا؟ فقال له: نعم. فسارا في الكهف حيناً، فإذا حيات يصفرن عن يمين وشمال ورياح تجري عليهما من داخل الكهف، وسمعا دوياً من داخل الكهف، فقال العبسي: لقد حملت نفسك على مكروه يا هميسع أعلى يقين أنت من هذا الكهف؟ فقال له الهميسع: ما تيقنت إلا ما رأته عيني، والرجاء فقال له: افعلي شك أنت هارش الثعابين وأبيع مهجتي ببخس يا هميسع لقد بعت نفسك من دهرك أبخس ثمن وهميسع في ذلك لا يلوي إلى كلامه وهو يسير داخل الكهف حتى وقف به على بابا آخر أعظم من الباب الأول وأهول وأشد وحشة وزاد عليهم الدوى والحسيس والهينمة وعلى ذلك الباب بالخط الحميري. فقال له
العبسي: اقرأ يا ميسع! فقرأه فإذا هو:
انظر لرحلك لا يساق فإنه ... حتم الحمام إلى العرين يساق
يا ساكني جبلي شمام لعله ... يوفي بما أجنبتما الميثاق
قوموا إلى الإنسي أن محله ... يدعو إلى يوم الفراق فراق
قال: فولى العبسي هارباً عنه وناداه الهميسع فلم يلتفت إليه، وولى وهو يوقل: قاتل الله أخا عاد ما أجسره! قال: فهم الهميسع أن يفر ثم حمل نفسه على الأصعب ومضى حتى بلغ إلى باب هو أعظم هولاً وأشد وحشة وعليه نقش بالقلم الحميري فقرأه الهميسع فإذا فيه مكتوب:
قد كان فيما قد مضى واعظ ... لنفسك البينة المسمعه
إن جهل الجاهل ما قد آتى ... وكان حيناً قلبه في دعه
فدخل الباب الثالث فسمع دوياً عظيماً كالرعد وهده عظيماً، فبينما
كذلك إذ برز إليه تنين أحمر العينين فاتح فاه فلما رآه الهمسيع رجع هارباً إلى خلفه، فسكن حس التيني فوقف العادي وقال في نفسه: قدر رآني ولو كان حيواناً لم يدعني وما هو إلا طلسم فرجع له ثانية حتى ظهر له، فسار نحوه فسمع له دوياً عظيماً فهرب فأقبل يسمع الدوى فإذا هو في رجوع التنين كما قاله في إدباره فعلم إنه طلسم فأخذ حذره من صدمته وأقبل يمشي قليلاً قليلا ويخفف وطأ قدميه حتى وضع قدمه في موضع فتحرك التنين ودوى، فأخذ قدوماً كان معه فحفر على الموضع حتى ظهرت له سلاسل على بكرات. فأجنه الليل فأسرع الخروج من الكهف وجمع حطباً من الغيضة وأضرمها ناراً وبات عند بابا الكهف، فلما غشيه ظلام الليل سمع بكاء وحنيناً داخل الكهف فلم يزل ينظر ويرتقب وينظر حتى نظر إلى نار عظيمة خارجة إليه من داخل الكهف، فلما رآها لم يبرح من موضعه حتى غشيته فصبر لها فلم تؤلم فيه شيئاً ثم أتته أخرى ثانية أكبر من الأولى فصبر لها
كذلك، فلما مالت عنه أخذ مقياس النيران التي أضرمها وأقبل يضرب بها حيطان الكهف يميناً وشمالاً حتى سمع نداء من داخل الكهف يهتف: يا هميسع لا حاجة لنا في دخولك. فأقام حتى أصبح فدخل باب الكهف إلى أن وصل إلى البابا الذي رأى فيه التنين، ثم حفر على بقية حد التنين حتى قلعه وسقط التنين، فسار إليه فقلع عينيه فإذا هما ياقوتتان حمراوان لا قيمة لهما، وسار حتى انتهى إلى بابا هو أعظم هولا وأشد وحشة فلما هم أن يفتحه سمع دوياً عظيماً وبدا له أسد عظيم فرجع أيضاً إلى خلفه فرجع عنه الأسد بدوي عظيم فحفر على موضع حركته كما صنع بالتنين حتى أبطل حركته وقلع عينيه فإذا هما ياقوتتان حمراوان لا قيمة لهما، ثم دخل الباب فإذا هو بدار عظيمة وفيها بيت في وسطه سرير من ذهب شيخ على رأسه لوح
ب معلق وسقف البيت مرصع بأصناف اليواقيت وعلى رأسه في الحائط لوح من ذهب فيه مكتوب (أنا شداد بن عاد عشت خمس مائة عام وافتضضت فيها ألف بكر وقتلت ألف مبارز وركبت ألف جواد من عتاق الخيل) وتحته مكتوب:
من ذاك يا شداد عاد أصبحت ... آماله مهزومة الأقدام
يا من رآني إنني لك عبرة ... من بعد ملك الدهر والأعوام
فكأنني ضيف ترحل مسرعاً ... وكأنني حلم من الأحلام
احذر تصاريف الزمان وريبه ... لا تأمنن حوادث الأيام
هلا يضرك من كلامي مرة ... يا ساكن الغيضات والآجام
قال ثم ملت إلى الركن الذي عن يمينه فإذا هو سرير من ذهب وعليه جاريتان فوق رأسهما في الحائط لوح من ذهب أو قال من عاج فيه مكتوب (أنا حية وهذه لبة بنت شداد بن عاد أتت إلينا أزمان فيها الطارف والتليد على عبيدنا صاعاً من بربصاع من در فلم نجده - فمن رآنا فلا يثق بالزمان وليكن على بيان فإنه
يحدث العز والهوان) - قال فأخذ الهميسع الألواح وما بالبيت من در وجوهر وياقوت وخرج.
[ملك لقمان بن عاد]
قال وهب: فلما مات شداد بن عاد صار الأمر إلى أخيه لقمان بن عاد وكان أعطى الله لقمان ما لم يعط غيره من الناس في زمانه أعطاه حاسة مائة رجل وكان طويلاً لا يقاربه أهل زمانه.
-78-