الاستبداد السياسي مع الفقر والبطالة يطيح بالحكام ..والرؤساء ...
الشيخة حسينة... «سيدة بنغلاديش الحديدية» تحت ضغط الشارع
داكا - لندن: «الشرق الأوسط»
29 مُحرَّم 1446 هـ
أسهمت رئيسة الوزراء البنغلاديشية، الشيخة حسينة، في إنقاذ البلاد من الحكم العسكري، لكن عهدها في السلطة شهد اعتقالات جماعية لخصومها السياسيين وعقوبات على قواتها الأمنية بتهمة انتهاك حقوق الإنسان.
وتواجه «السيدة الحديدية»، المتهمة بالتسلط، احتجاجات جماهيرية بدأت في يوليو (تموز) الماضي، بمَسيرات يقودها طلاب جامعيون ضد قرار إعادة فرض حصص توظيف في القطاع العام، لكنها تحوّلت إلى أحد أكبر الاضطرابات خلال 15 عاماً من حكمها، مع مطالبة المعارضة بتنحّيها.
اتسمت الاحتجاجات بالسلمية إلى حد كبير، حتى تعرَّض المتظاهرون لاعتداءات من الشرطة وجماعات طالبية مُوالية للحكومة لقيت إدانة دولية.
وفازت رئيسة الوزراء، البالغة 76 عاماً، بولاية خامسة في رئاسة الوزراء، خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، بعدما قاطعت المعارضة الاقتراع الذي قالت إنه لم يكن حُراً ولا نزيهاً. وحينذاك، وصفت الشيخة حسينة حزب المعارضة الرئيسي بأنه «منظمة إرهابية». ويتهم خصومها حكومتها بارتكاب سلسلة من الانتهاكات لحقوق الإنسان؛ من بينها نشطاء معارضين.
الشيخة حسينة هي ابنة ثوري قاد البلاد إلى الاستقلال، وقد أشرفت على نمو اقتصادي متسارع في بلدٍ وصفه وزير الخارجية الأميركي السابق، هنري كيسنجر، ذات يوم، بأنه «ميؤوس منه». وفي العام الماضي، وعدت بتحويل بنغلاديش إلى «دولة مزدهرة ومتقدمة»، لكن في البلاد نحو 18 مليون شاب عاطلين عن العمل، وفق الأرقام الرسمية.
صعود اقتصادي
كانت حسينة في السابعة والعشرين من عمرها وخارج البلاد، عندما اغتال ضباط عسكريون منشقّون والدها، رئيس الوزراء الشيخ مجيب الرحمن، مع والدتها وإخوتها الثلاثة، في انقلاب عام 1975.
عاشت ست سنوات في المنفى، قبل أن تعود وتتولى قيادة حزب رابطة عوامي، الذي كان يتزعمه والدها، وتبدأ صراعاً دام عقداً جعلها تخضع لفترات طويلة من الإقامة الجبرية. وتحالفت حسينة مع الحزب الوطني البنغلاديشي، الذي تتزعمه خالدة ضياء، للإطاحة بالدكتاتور العسكري حسين محمد إرشاد عام 1990. لكن سرعان ما اختلفتا، وهيمن التنافس بينهما منذ ذلك الحين على السياسة في بنغلاديش.
وشغلت حسينة منصب رئيسة الوزراء لأول مرة عام 1996، لكنها خسرت أمام ضياء بعد خمس سنوات، ثم جرى سجنهما بتُهم فساد عام 2007 بعد انقلاب قامت به حكومة مدعومة من الجيش، قبل إسقاط التهم عنهما، والسماح لهما بخوض الانتخابات في العام التالي. وفازت حسينة بأغلبية ساحقة في الاقتراع، وهي تمسك منذ ذلك الوقت بالسلطة.
في هذه الأثناء، تعاني ضياء، البالغة 78 عاماً، مشكلات صحية وهي محتجَزة في المستشفى بعد أن حُكم عليها بالسجن لمدة 17 سنة في عام 2018 بتُهم فساد، كما يقبع كبار قادة حزبها خلف القضبان أيضاً.
ويُشيد مؤيدو الشيخة حسينة بقيادتها بنغلاديش، خلال طفرة اقتصادية ملحوظة تعود إلى حد كبير لقطاع الصناعة وغالبية قواه العاملة من النساء، ويتركز نشاطه في مجال النسيج وتصدير الملابس.
وبعدما كانت بنغلاديش إحدى أفقر دول العالم عندما نالت استقلالها عن باكستان عام 1971، صارت تحقق نمواً بمعدل يزيد على 6 في المائة سنوياً منذ عام 2009. وانخفضت معدلات الفقر وأصبح أكثر من 95 في المائة من السكان، البالغ عددهم 170 مليون نسمة، يستفيدون من الكهرباء، وتَجاوز نصيب الفرد من الدخل مستوى الهند عام 2021.
لقيت حسينة إشادة دولية لفتحها أبواب بنغلاديش لمئات الآلاف من اللاجئين الروهينغا الفارّين من الحملة العسكرية عام 2017 في ميانمار المجاورة. كما نالت الإشادة الحملة التي أطلقتها ضد المتشددين الإسلاميين في الدولة ذات الأغلبية المسلمة، بعد أن اقتحم خمسة متطرفين محليين مقهى في داكا يرتاده رعايا غربيون ووا 22 شخصاً عام 2016.
إسكات المعارضة
لكن عدم تسامح حكومتها تجاه المعارضة أثار الاستياء داخلياً وقلقاً في عواصم أجنبية أبرزها واشنطن. وجرى إعدام خمسة من كبار القادة الإسلاميين، وشخصية معارِضة بارزة، خلال العقد الماضي، بعد إدانتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، خلال حرب الاستقلال الدامية عام 1971. وبدلاً من تضميد جراح ذلك الصراع، أثارت المحاكمات احتجاجات حاشدة وصدامات عنيفة. ووصف مُعارضوها المحاكمات بأنها صورية، وعدُّوها ذات دوافع سياسية لإسكات الخصوم.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات عام 2021 على فرع النخبة من قوات الأمن البنغلاديشية، وسبعة من كبار ضباطها بسبب اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان. وفي مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة، تصرّ الشيخة حسينة على أن همها الوحيد هو خدمة مصلحة بلدها.
والشهر الماضي، قامت بجولة في مناطق بداكا تضررت، خلال أيام من الاضطرابات الدامية، بينها محطة مترو كانت من بين عدد من المباني الحكومية التي جرى إحراقها أو تخريبها. وقالت للصحافيين: «على مدى 15 عاماً بنيتُ هذا البلد»، مندّدة بالأضرار التي لحقت البنية التحتية، متسائلة: «في ماذا قصّرت في خدمة الناس؟».