عمرو بن كلثوم
كان سيداً لقومه لما استو في الخامسة عشر من العمر.... وهو من
قبيلة تغلب ( الدواسر الآن )
وكان أبوه كلثوم سيد قومه , وأمه ليلى بنت المهلهل شقيق كليب
المشهور في حرب البسوس .
وكانت تغلب قبيلة لها شأنها وخطرها بين قبائل العرب ...
ولما وقع الخلاف بين بكر وتغلب بعد الصلح الذي تم بينهما ,
تحاكما إلى عمر بن هند ملك الحيرة فاختارت تغلب شاعرها للدفاع
عنها , وفعلت بكر مثل ذلك فأرسلت شاعرها الحارث بن حازة ..
فاستطاع هذا أن يستميل الملك إلى قومه , فحكم على التغلبيين ,
فانصرف عمرو وجماعته غاضبين . وهو ما دعاه إلى هجاء الملك
عمرو بن هند كما جاء في الديوان ..
وفي ذات يوم جلس عمر بن هند لندمائه كما روى صاحب الأغاني , يسألهم :
- هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي ...؟
فقالوا : نعم .. أم عمرو بن كلثوم ..
وكانت أم عمرو ( ليلى ) شقيقة المهلهل , وأم الملك هند عمة أمرئ
القيس ابن حجر الشاعر..
وكان بين المرأتين نسب من حيث المهلهل والد ليلى كان خالاً لمرئ القيس ...
فدعى ملك الحيرة عندئذ عمرو بن كلثوم إلى زيارته , وسأله جلب أمه معه ,
لتزور أمه , فأقبل الشاعر مع جماعة من قومه , وكان الملك قد أمر برواقه
فضرب فسيحاً بين الحيرة والفرات ...
فاستقبل الشاعر وقومه وجوه مملكته , واستقبلت هند أم الملك ليلى أم
عمرو بن كلثوم في قبة جعلت إلى جانب الرواق , وكان الملك قد اتفق
مع أمه على أن تستخدم ليلى إذا دعا بالطرف .. وهي الثمار
التي كان مزمعاً أن يقدمها بعد الغداء ...
فلما دعا بها , قالت هند :
- ناوليني يا ليلى ذاك الطبق .
فقالت ليلى : لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها .
فأعادت عليها الكرة وألّحت فصاحت ليلى :
وآ ذلها يا لتغلب ...
فسمعها ابنها , فاستبدّ به الغضب , ولتفت فرأى سيفاً للملك معلقاً بالرواق
فتناوله وضرب به رأس
عمرو بن هند ونادى في بني تغلب , فانتهبوا ما في الرواق , و ساروا إلى الجزيرة .....
و قد نظم عمرو بعد ذلك قسماً من معلقته في هذه المناسبة , كما افتخر بهذه
الحادثة التغلبيين , وقال الفرزدق
قوم هم قتلوا ابن هند عنوة = عمراً وهم قسطوا على النعمان
على أثر هذه الحادثة نشطت جميع القبائل الخاضعة للمناذرة لمحاربتهم , ومنهم
بنو بكر أعداؤهم الألداء ...فاشتعلت حرب الأبطال ... حتى أنهم في بعض الأحايين
كانوا يهاجمون ولا يدافعون فحسب .....
وأخيراً اضطر التغلبييون بعد أن اشتدت وطأت المناذرة وأحلافهم عليهم ,
إلى الهرب إلى بلاد الشام حوالي سنة 580 ميلادي , فأقاموا فيها عدة سنوات ,
حتى اختلفوا مع الغسانيين , ودارت بينهما معركة انتصر فيها التغلبييون ....
عاد هؤلاء على إثرها إلى الجزيرة ... حيث وجدوا النعمان أبو قابوس ابن المنذر الرابع
يستعد لهم , ولكنهم استطاعوا الانتصار على القوة التي أرسلها لهم بقيادة ابنه المنذر ,
وقتل ( مرة ) شقيق عمرو بن كلثوم المنذر ابن النعمان , و قد افتخر الأخطل الشاعر
التغلبي على جرير بهذا الانتصار وقال له :
أبني كليب ....إن عميّ اللذا = قتلا الملوك وفككا الأغلالا
ولقد امتد العمر بعمرو فتوفي عن عمر طويل حوالي سنة 600 ميلادي ...
وقد اختلف المؤرخون في عمره , حتى أن بعضهم , وصل به إلى مئة وخمسين ,
وهي مبالغة لا تؤكدها الوقائع التاريخية ..
آثــــــــــــــــــــــاره
ديوانه الذي نشر في مجلة المشرق سنة 1922م , لا يتجاوز المئة والثلاثين بيتاً ,
ما عدا المعلقة طبعاً , و هذا لا يعد ديواناً , وإنما هو شعر قليل يدور حول الفخر
والهجاء والمدح ...وأشهر آثاره المعلقة وهي تقع في مئة بيت وتقسم إلى قسمين :
أولها : المفاخرة وهو القسم الذي أنشده في قصر عمرو بن هند يوم الاحتكام مع
بني بكر ... ويتكون من المقدمةوذكر الخمر والحبيبة ومخاطبتها و وصفها , ثم الدفاع
بالمفاخرة و التهديد ...
وثانيها : يبتدئ من البيت التاسع والأربعين ويمتد إلى المئة وهو القسم الذي قاله
بعد قتله الملك ..ولقد نالت هذه المعلقة شهرة لم تنالها معلقة أخرى , في العهد القديم
فقد كان صغار التغلبيين وكبّارهم يحفظونها ويردّدونها ويتغنون بها , ويفتخرون على
سواهم من القبائل بقصيدها .. حتى لقد قال فيهم وفيها أحد بني بكر:
ألهى بني تغلب عن جل أمرهم = قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يفاخرون بها مذ كان أولهم = يا للرجال لشعر غير مسؤوم
والمعلقة إلى هذا , ومن ناحية التفاخر شعلة من نار وثورة مشتعلة , وكبرياء صارخة
وعاطفة جامحة , لا تلقي للمنطق بالاً , يقولها سيد في قومه , يعتز بسيادته وقبيلته
وينتصر لهذه السيادة بشيء كثير من الغرور والنزق ... خذ مثلاً هذه الأبيات ..
ملأنا البر حتى ضاق عنا = وظهر البحر نملؤه سفينا
لنا الدنيا ومن أضحى عليها = ونبطش حين نبطش قادرينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي = تخر له الجبابرة ساجدينا
فأي أسطول له ؟ وأي كتائب من الجند كان يملكها؟ ليملأ البحر سفيناً والأرض جنوداً....
وأما سجود الجبابرة لصغار قومه .. فيدلك بالتأكيد على جموح فكر الشاعر واعتداده
بقومه ونفسه إلى أبعد الحدود والغايات ....
والمعلقة إلى هذا لينة الشعر , سهلة الألفاظ , وتجري ألفاظها كالسيل الجارف ,
وتثير معانيها من يقرأها فيتصور عمراً على رأس قبيلته الثائرة يهدد يصيح ,
وقد اندفعوا للطراد كأحسن ما يكون الاندفاع .
الخلاف بين تغلب وبكر و وصف عمرو بن كلثوم
هو أبو عبادة عمرو بن كلثوم التغلبي , و أمه ليلى بنت المهلهل , كان من أعز
الناس وأكثر العرب ترفعاً ساد قومه وهوفي الخامسة عشرة من سنه , ومعلقته
هي الخامسة في المعلقات , أنشأ قسماً منها في حضرة الملك عمرو بن هند ,
وعنده الوفود من قبيلتي تغلب وبكر , كان يرئس التغلبيين عمرو بن كلثوم , ويرأس
البكريين النعمان بن هرم اليشكري , وسبب هذا الاجتماع بين يدي عمرو بن هند أن
الملك المنذر والد عمرو كان قد أصلح بين عشيرتي بكر وتغلب بعد حرب البسوس
التي دامت أربعين سنة , ولكنه خشي أن تعودا إلى الحرب فأخذ منها مئة غلام
رهائن حتى إذا أعتدت إحدهما على الأخرى أقاد من الرهائن .
وقد سار عمرو على خطة أبيه في هذا الارتهان , وذات يوم سير الملك ركباً من
تغلب وبكر إلى جبال طيء فأجلى البكريون التغلبيين عن الماء ودفعوهم إلى
مفازة فتاهوا فيها وماتوا عطشاً , فغضب بنو تغلب وطلبوا ديات أبنائهم فأبت
بكر دفعها فاحتكموا إلى عمرو بن هند , ولما كان يوم التقاضي انتدبت تغلب شاعرها
وسيدها عمرو بن كلثوم للدفاع عنها , و انتدبت بكر أحد أشرافها النعمان بن هرم ,
وكان عمرو بن هند يفضل التغلبيين على البكريين , فوقع جدال بينه وبين النعمان فغضب
له الملك فطرد النعمان , وأنشد عمرو بن كلثوم قسماً من معلقته , أما القسم الآخر فقد زاده
عليها بعد قتله عمرو بن هند على أثر محاولة أم الملك أن تستخدم ليلى أمّ عمرو بن كلثوم .
ولمعلقته قيمة تاريخية , فهي تدلنا على حالة العرب من حيث الدين والاجتماع
والعادات والصناعات والألعاب فتخبرنا عن طواف النساء حول الصنم وعن الرقص الديني ,
ومرافقة النساء للرجال في القتال , وعن لعب الصبيان بسيوف الخشب وقذف الكرة ,
وغير ذلك من الفوائد التاريخية.