والسؤال الآن : هل دين الله الذي شرعه على رسوله صلى الله عليه وسلم , والذي أعلنت الدولة أنه مصدرا لتشريعها يُقرُّ هذا الفجور الذي ينسبه إياد مدني إلى الإسلام ويزعم أنه يتوافق وأحكام الدين ؟ .
إن دين الله واحد , ونبي الإسلام واحد , ومردُّ أحكام المسلمين عند الاختلاف إلى الكتاب والسنة , وإلى أهل العلم الذين يستنبطون أحكام الله من وحيه , ويعرفون الفرق في الدليل بين محكمه ومتشابهه , ومطلقه ومقيده , وناسخه ومنسوخه , وخاصه وعامه , وقطعيه وظنيه , ومنطوقه ومفهومه .
ونحن اليوم أمام منزلق عظيم , ومنعطف خطير, ونحتاج إلى أن نتبين الأرض التي نقف عليها , حتى لاتزل بنا القدم .
إن الدولة التي جعلت دستورها الإسلام , ومنهجها شريعة رب الأنام , أيقنت أنه لابقاء لها , ولا لسلطانها إلا بذلك , وأنها إن تخلت عنه فهي تحارب من بيده الملك فينزعه ممن يشاء , ويهبه لمن يشاء من عباده , وهو أغير على حرماته جل في علاه من كل أحد .
ولهذا فالتذكير بخطور مايكيده الأعداء , أو المغترون بهم , أو المنخدعون بضلالهم , وما يحاولون جرَّ الأمة له بحجة مواكبة العصر , أو التقدم , أو بدعوى أن الوضع قد تغير , أو تحت ذريعة الانفلات من تهمة الإرهاب , أو بشبهة العولمة لتحقيق مكاسب اقتصادية عظمى , أو لتعريف الناس بموروثنا ومكانتنا , أو باتهام ماكان عليه من قبلنا بالأخذ بالأحوط وليس بالشرع , وأن هذه القضايا من المختلف فيها , أو أن مانمنعه سيمكن لمن أراده الوصول إليه في ظل الثورة المعلوماتية , وأولى بنا أن نتولى زمام المبادرة لترشيده والتحكم فيه , أو باسم الحريات والتعددية , أو بخدعة الحوار وتبادل الثقافات , أو بمصطلح معرفة ماعند الآخر , أو غير ذلك من الشبه والدعاوى التي لاطائل وراءها .
أقول : إن التذكير بخطورة هذا من الواجب المتحتم , وتأخير بيانه مع دواعي الحاجة إليه من كتمان الحق الذي لايجوز .
وإن فضح المتربصين بديننا ودولتنا وأمتنا من أوجب الواجبات , وأعظم القربات , وسواء أكان هؤلاء ممن يتقمص قميص المواطن الناصح , أو الإصلاحي الصادق , أو المتحضر المتمدن , أو غيرهم ممن تشابهت قلوبهم , فهم يفسدون في الأرض ولايصلحون , ويحسبون أنهم على شيء وأنهم مهتدون , ممن حبطت أعمالهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا , ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون .
يجب فضح هؤلاء فهم كفأر مأرب , وسوس النخل , وآكلة الجسد , وسرطان الدم , وبيان مايخفون حتى يعرفهم من ظنَّ فيهم خيرا وهم بخلافه , أو تأثر ببعض شنشنتهم التي ظاهرها الرحمة , وباطنها السم الزعاف , والحقد الدفين .
إن قوما كهؤلاء ممن لانت ملامسهم , وسالت أفواههم بمعسول القول, لكن قولهم ومكرهم أشبه باللذة التي يجدها من لسعه البعوض , فصار يهرش في جلده يبتغي تخفيف مالقيه , فهو يستلذ بالهرش , وينسى أن ذلك على حساب جلده ولحمه , وهم كالثعبان الذي :
ينساب والسم الزعاف برأسه **** متكسرا في المشي كالخجلان
وهم أشدُّ نكاية بالأمة - ولاسواء - ممن اخشوشن ملمسه , وغلظ قوله , ووجدنا لنطقه مرارة , لكنه ناصح صادق , فهذا كالدواء المرِّ الذي يجد معه شاربه ضيقا وحرجا , لكنه ينتهي به إلى نشاط وصحة بإذن ربه تعالى .
وصديقنا من صَدَقَنا لا من صدَّقنا , ورحم الله من أهدى إلينا عيوبنا , أما من خدَّرنا بأننا أحسن من غيرنا , وأننا بخير ونعمة , ثم هو يسير بنا بعد هذا إلى مهاوي الردى , ومستنقعات الرذيلة , فهو والله الغشاش الخائن .
إن مايمارسه وزير الإعلام اليوم من مخادعة الدولة بأنه يطبق سياساتها العامة , ومخادعة الشعوب بأنه يسير وفق مايُملى عليه من تعليمات , يجعلنا نقف في حيرة بالغة , ونكرر تلك الأسئلة التي طالما ترددت على مسامعنا ممن ينقل لنا مافي الإعلام من تجاوزات ومفادها :
هل وزير الإعلام ( إياد مدني ) يشكل حكومة مستقلة لا سيادة لحكومة المملكة عليها ؟ .
أم هل وزير الإعلام يمتلك سياستين إعلاميتين , سياسة معلنة , وسياسة مخفية , فالمعلنة هي مانشرنا بعض بنودها أعلاه , والمخفية هي ماتقوم به وزارته على أرض الواقع , من نشر للفساد باسم الشريعة الإسلامية الغراء ؟.
وهل استطاع وزير الإعلام أن يخدع الدولة والشعب في آن واحد ويضرب بعضهم ببعض حتى ظنت الدولة بالناصحين السوء , واتهمتهم بالتحريض والمبالغة , وظن الشعب بدولته العجز والضعف , وموافقة هذا الوزير المفسد على أفعاله التي لايمكن أن ينسبها للشريعة إلا من سفه نفسه , وخان الله ورسوله وأمانته ؟ .
والله الذي لايُحلف إلا به , ولا يجوز القسم بغيره , لقد بلغ الظن بكثير من الناس أن يقولوا إن وزير الإعلام قد فرض على الدولة فرضا مما رأوه من تماهيه في الباطل , وسكوت المسؤولين عن تجاوزاته .
وأنا أعلم علم اليقين أن كلامي هذا قد يحُمل على المبالغة والتهويل , ولكن ما أخفيته مما بلغني ومايتحدث به الأغيار , أشدُّ وأنكى مما طاش به قلمي , وندَّ مما لم أجد بدَّا من البوح به .
وأنا من هذا المنبر أقول :
إنني أتحمل كلَّ ماخططته هنا , وليس فيه شيء من المبالغة أو التهويل , بل هو بعض الحقيقة , وحتى أقطع الطريق على من ظنَّ هذا , أو حاول إثارته فإني أتقدم بمقترح أرى أنَّ فيه نصفا , وملخصه :
أن تنتخب الدولة من تثق به وتحبه- وكلهم كذلك - من أهل العلم المعتبرين من اللجنة الدائمة , أو من هيئة كبار العلماء , أو من غيرهم ممن تراه وتقترحه , ونعرض عليه ماعندنا من ملحوظات ومؤاخذات شرعية على عمل هذه الوزارة وذلك الوزير , ثم هي تقوم بدورها بتمحيص ماترى أنه حقٌّ أو باطل , فترد علينا الباطل وتقبل منا الحقَّ .
وأنا مستعد أن أتحمل تبعات ما يمكن تسميته باطلا مما تُقرر تلك اللجنة بطلانه , وأتحمل ماتقترحه من جزاء وعقاب , في الوقت الذي تقرر فيه المؤاخذات على أداء الوزارة والوزير إن ثبتت وتحدد بموجبه الجزاء والعقاب .
أو أن يتم رفع الحصانة عنه والإذن لنا بمحاكمته شرعا , حيث شرع الله لايظلم أحدا , والدولة ترى أن القضاء مستقل ونزيه .
أما أن نبقى متأرجحين بين نظام لا حظَّ لنا منه إلا حبره وشكله , أما محتواه ومضمونه فقل عليه السلام , وبين خديعة هذا الوزير المفسد عليه من الله مايستحق .
إن ما أقوله هنا هو ما يتحشرج في صدور كثير من الأغيار , وهو ما أوغر صدور كثير من محبي هذه الدولة , والذابين عنها .
وعلى من قرأ أحرفي هذه أن يتجاوز ما قد تحمله من قسوة إلى ماهو أحق بالنظر والتأمل , وهو ما تسببه تجاوزات هذا الوزير المفسد على أمتنا ودولتنا وأن يدع عنه الشكل ويلج إلى المضمون , فقد أصبحنا اليوم بحاجة إلى المصارحة , ووضع النقاط على الحروف , أكثر من حاجتنا إلى قشور لن يضيف الخوض فيها إلى لبِّ الموضوع شيئا , ولن يوجد للمشكلة حلا .
وللحديث بقية إلى أن يأتي حينها فأنشرها , أسأل الله للجميع التوفيق والهداية , وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى .
.اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه , والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه , ولاتجعله ملتبسا علينا فنضل
.اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا
.اللهم أصلح الراعي والرعية
. هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
وكتبه
سليمان بن أحمد بن عبدالعزيز الدويش