4
خرجت من المقهى , متجها إلى الفندق , وعندما وصلت إلى باب الفندق تذكرت أمرا مهما ...
تذكرت أنني لم أتصل بوالدتي التي لا تعلم عن وجودي في بيروت , وكل ما تعرفه أنني ذاهبٌ إلى جدة لإكمال إجراءات التسجيل في جامعة الملك عبد العزيز بعدما قُبلت فيها قبولا مبدئيا ..
أمي
لابد أنها تعيش حالة من القلق بسبب تأخري في الاتصال
سرت بخطىً سريعة متجها إلى الهاتف واتصلت .. لترد أمي حين عرفت صوتي :
قلبي على ولدي انفطر,,, وقلبُ ولدي عليَّ حجر
عاتبتني على تأخري في الاتصال , فاعتذرتُ بأعذارٍ واهية غير معقولة ولا مقبولة إلا لدى الأمهات ,
فقبلتْ أعذاري وبدأت تسألني عن قبولي في الجامعة , فأخبرتها أنني أكملت إجراءات القبول , وسوف أبقى في مدينة جدة لمدة أربعة أيام للاستجمام بعد عناء عام كامل من الجد والاجتهاد ..
أنهت والدتي المكالمة ببعض الوصايا وقلبي يعتصر ألما لأنني كذبتُ عليها
ولكنني كنت مجبرا على ذلك فعائلتي المحافظة ترفض فكرة السفر خارج البلاد ..
دخلت غرفتي واستلقيت على سريري , وبين يدي ذلك الديوان الذي أهدته لي مايا , وبما أنني لم أكن متذوقا للشعر بدأت أقلب صفحاته و أقرأ عناوين القصائد,وكأنني أقرأ جريدة ...
فشدني أحد هذه العناوين :
أحلى خبر
كتبتُ ( أحبكِ )
فوقَ جدار القَمَرْ
(أُحبُّكِ جدّاً)
كما لا أَحَبَّكِ يوماً بَشَرْ
ألمْ تقرئيها ؟ بخطِّ يدي
فوق سُورِ القَمَرْ
و فوق كراسي الحديقةِ
فوقَ جذوع الشَجَرْ
وفوق السنابلِ ، فوق الجداولِ ، فوقَ الثَمَرْ
و فوق الكواكب تمسحُ عنها
غُبارَ السَفَرْ
حَفَرتُ (أُحبُّكِ)
فوق عقيق السَحَرْ
حَفَرتُ حدودَ السماء ، حَفَرتُ القَدَرْ
ألم تُبْصِريها ؟
على وَرَقات الزهَرْ
على الجسر ، و النهر ، و المنحدرْ
على صَدَفاتِ البحارِ ، على قَطَراتِ المطرْ
ألمْ تَلْمَحيها ؟
على كُلِّ غصنٍ ، و كُلِّ حصاةٍ ، و كلِّ حجرْ
كَتبتُ على دفتر الشمس
أحلى خبرْ
(أُحبُّكِ جداً)
فَلَيْتَكِ كُنْتِ قَرَأتِ الخبرْ
أعجبتني جدا تلك القصيدة وبدأت أرددها حتى حفظتها , فغلبني النعاس وأخذت أغط في نوم عميق , ولم أستيقظ إلا الساعة الحادية عشرة مساء , وبما أنني من هواة السهر والطرب خرجت أبحث عن مكان استمتع فيه بسماع الطرب اللبناني الأصيل , و عندما وصلت إلى باب الفندق بدأت أسمع أصواتا موسيقية صاخبة تصدر من ملهى ليلي في نفس الفندق فقررت السهر فيه اختصارا للوقت ...
اتجهت إلى ذلك الملهى الذي أشبه ما يكون بحفل عرس , ولكنني تفاجأت عندما وقفت بــ بابه
أضواءٌ خافتة .. موسيقى صاخبة .. أجسادٌ شبه عارية
ولم أخطئ عندما شبهته بالعرس , فمظاهر العرس المختلط توفرت في ذلك المكان , فهو عرس ولكن كما يقول نزار قباني :
لم يكن في العرس رقصٌ عربي
أو طعامٌ عربي
أو غناءٌ عربي
أو حياءٌ عربي
فلقد غاب عن الزفة أولاد البلد ..
حقا غاب عن الزفة أولاد البلد , فهو ملهى أجنبي فالفتيات روسيات ورومانيات , ومرتادو الملهى أغلبهم من الأجانب ..
لم أكن أنوي الدخول إلى ذلك المكان ولكن تغلب علي شيطاني حينما رأى جنوده وبدأ يقنعني ويبرر لي أن دخولي إلى ذلك المكان من باب الفضول وحب الاستطلاع , كما أن المكان مظلم فلن يعرفني أحد , ويذكرني بقول ابن المعتز : " الشمس نمامة والليل قــواد " وأنساني في تلك اللحظات أن الذي خلق الظلام يراني ..
فدخلت الملهى بعد أن وافق شيطاني على شروطي وهي أن أجلس في ركن ذلك الملهى وأراقب الوضع دون أن أتحدث إلى أحد أو أشرب شيئا في ذلك المكان .....
الوضع غريب وجديد لم أعتد عليه من قبل :
كؤوسٌ تقرع ... رؤوسٌ تتمايل
رقصٌ غريب أشبه ما يكون بتمارين رياضية
لحمٌ فقد الإثارة
شعرت باكتئاب وإحباط بسبب وجودي في ذلك المكان , فهممت بالنهوض ، وفجأة شعرت بأنامل ناعمة تلمس كتفي فاستدرت مباشرة....