على ان سوق العقار يعاني آفات أغلبها متعمّد الى حدٍّ يمكن ان يوصف بـ «فساد عقاري» لخدمة مطامع شخصية تذهب بالسوق بعيدًا عن صورته الحقيقية ويتمثل ذلك في رفع اسعار غير مبرّر يمثل عقبة امام طموحات المواطن في المسكن ودون أي إدراك بما يترتب عن ذلك من سلبيات في النواحي الاقتصادية والاجتماعية.
واشاروا الى ان السوق تحرّكه مضاربات تساندها عملية احتكار للاراضي وتلاعب منظم في الاسعار بناء على اوهام وخلط للاوراق بهدف خدمة الاستفادة الشخصية فقط.
ويقول المحلل الاقتصادي خالد البواردي انه بفعل هذه التلاعبات في السوق تحوّل المسكن هو المكان الآمن الذي يوفر للأسرة استقرارها وهو أهمّ هدف يسعى إليه كل إنسان الى محرقة لدخل الاسرة واصبحت الإيجارات التي تواصل ارتفاعها تهدّد الاسر بالرمي في الشارع.
من جانبه أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور محمد دليم القحطاني أن هناك فسادًا عقاريًّا يعرفه الملأ، حيث إن العقاريين يقومون بإخفاء المعلومة عن المواطن لتظل بين أروقتهم فقط من أجل التحكُّم في أسعار الأراضي وأيضًا للدخول في عملية إيهام المشتري والتحايل في عملية الشراء.
وطالب القحطاني بأن يكون العقاري أكثر شفافية في إعطاء المعلومة الحقيقية والبُعد عن المبالغة في الأسعار، فالمواطن بحاجةٍ الى سكن يؤويه هو وأسرته، مشيرًا الى أن عدم الجودة والمصداقية في البنية التحتية من أولويات الفساد العقاري لإيهام وغش وخداع المشترين وهذا صلب الفساد.
وأكد القحطاني أن سكوت الأمانات والبلديات على هؤلاء العقاريين جعلهم يسهمون في إعطائهم مساحة من الفساد والتلاعب والتحايل.
ويرى تركي بن عبدالعزيز الحقيل المحلل الاقتصادي ان أسعار العقار اصبحت عالية جدًا لا توازي دخل جميع المواطنين مما خلق فجوة كبيرة بين أسعار الأراضي والمنازل وقدرة المواطن على التملك الذي قد يُهدِّد احلامهم.
مجلس إدارة مجموعة الحمود العقارية بندر الحمود أوضح أن الأوساط العقارية تشهد تجاوزات مختلفة انعكست سلبًا على مخرجات العقار وأسعاره المبالغ فيها، ومن ضمن هذه التجاوزات «سلوك بيع النجش» داخل بعض المزادات العقارية، الذي يتمثل في المزايدة في الأسعار من غير نية الشراء بغرض رفع الأسعار، وتكون تلك المزايدة غالبًا إما من المطوّر نفسه أو من أحد أعوانه أو مندوبيه».
«الفساد العقاري» ضاعف الأسعار 200 بالمائة خلال 3 سنوات
السكن في المملكة مشكلة ذات شجون،وعندما تفكر فيها تخالجك الكثير من المشاعر، تبدأ بالخوف على مستقبلك ومستقبل أبنائك، ثم تمر بمشاعر العجز والقهر والغيظ ، وينتهي بك المطاف إلى الحيرة. هذه المشكلة لها أسرارها التي يحاول بعض تجار العقار إخفاءها عن المواطن وتضليله ليكون فريسة سهلة لهم. لكن أضرار هذه المشكلة مخيفة مستقبلاً،فهي تجمع ما بين الضرر السياسي والأمني، والاقتصادي والاجتماعي، والتعليمي والصحي،والنتيجة عواقب وخيمة على هذا البلد وأهله الذين نسأل الله أن يحفظهم أجمعين.
وسنحاول من خلال هذا المقال مناقشة المشكلة وأسبابها، وطرق حلها، كما سنكشف بعض الأرقام والحقائق التي يحاول بعض تجار العقار إخفاءها عن المواطن، كما سنكشف طرق تحايلهم لرفع الأسعار عبر تضليلهم لوسائل الإعلام.
بداية،المسكن هو المكان الآمن الذي يوفر للأسرة استقرارها وهو أهم هدف يسعى إليه كل إنسان. ففيه أمان للأسرة من نوائب الدهر وفيه رفاه للعائلة بتوفير 30 بالمائة من دخلها بدلا من الإيجارات التي إن لم تُدفع تُرمى أنت وأطفالك في الشارع وإن دُفعت فإن ذلك على حساب قوت أولادك، ومن هنا تأتي مشاعر الخوف. وعندما تجد أن دخلك السنوي لا يتجاوز 100 ألف ريال ولا تستطيع ان توفر منه سوى 30 بالمائة، إن كنت محظوظاً ،وذلك بسبب غلاء المعيشة، وتجد أن سعر الفيلا بمساحة 300 متر قد وصل إلى 1.5 مليون ريال، فهنا تبدأ مشاعر العجز والقهر.
وعندما تعلم أن 77 بالمائة من أراضي مدينة الرياض داخل النطاق العمراني هي أراضي فضاء لم تطور بعد وبمساحة إجمالية 4150 كيلو مترا مربعا أي 4.15 مليار متر مربع، وان المطَوّر منها نسبته 13 بالمائة ويوجد نسبة كبيرة من الأراضي غير المستغلة، فإن هذا لا شك يصيبك بالغيظ والحيرة. وكأي مشكلة فإن لها سببا، وهو ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وغير مبرر حتى تضاعفت 200 بالمائة في آخر ثلاث سنوات. ولكن ما هي أسباب هذا الارتفاع الذي أدى إلى المشكلة؟
1. النمو السكاني ووهم الطلب على العقار:
ما يقارب 60 بالمائة من الشعب السعودي من فئة الشباب وهذا يرجح التوقعات بأن هناك طلبا كبيرا على السكن. وأصبح البعض يتشبث بهذه الحجة ليرفع أسعار العقار ويضارب بها كيفما يشاء، متناسياً أن معظم الشباب لن يستطيعوا الشراء في ظل الأسعار الجنونية الحالية حتى لو اضطروا للاقتراض، وهذا ما ورد نصاً في دراسة هيئة تطوير مدينة الرياض ودراسة البنك السعودي الفرنسي. لكن يبدو ان المستفيدين تناسوا ان هناك فرقا بين الطلب والحاجة، فالحاجة إن لم تصاحبها قدرة اختلت معادلة الطلب. فأغلبيتنا يحتاجون للسكن لكن هل نستطيع الشراء؟ أحد الإخوان سَمّى هذه الحالة «بوهم الطلب على العقار». وبناء على هذه المعلومة المغلوطة، أصبح الناس تضارب على العقار مما أدى إلى زيادة الأسعار.
2. المضاربة في الأراضي:
بعد خسارة سوق الأسهم الأمريكية والسعودية ومن ثم انهيار العقار في أمريكا وأوروبا ودبي، توجه الكثير من صغار وكبار المضاربين الى سوق العقار. فالسوق اليوم يعج بالمضاربين على كمية كبيرة من الأراضي مما تسبب في الأزمة.
3. احتكار الأراضي:
وهذا السبب من أهم الأسباب ويكاد يكون الأهم. فالدولة ومن سنين طويلة تقدم منح أراض للمواطنين ، تبدأ المنحة من ارض مساحتها 900 متر مربع وترتفع حسب منصب الشخص ونفوذه. ووقتها كانت الرياض معظمها صحراء ولم يكن هناك مشكلة سكن بل وفرة، لذلك لم يكن لهذه المنح تأثير كبير. لكن الحال تغير اليوم فنجد أن نسبة كبيرة من الأراضي البيضاء هي ملك لمجموعة قليلة من الناس لا يتجاوز عددهم المائة، منهم من لا يريد البيع ومنهم من يريد البيع ولكن بأغلى الأسعار.
4. العامل النفسي ودور التجار والإعلام فيه:
برع بعض تجار العقار عبر استغلالهم وسائل الاعلام بتوجيه السوق ورفع الأسعار. ولكن كيف حصل هذا وما هي أساليب التلاعب التي اتبعوها حتى نجحوا في التأثير على العامل النفسي للمستهلك:
• عندما يبدأ بعض أصحاب المخططات بالبيع فهناك طريقتان لرفع سعر المخطط، أما ان يقوم صاحب المخطط (أ) ببيع بلك على صاحب المخطط (ب) بسعر مرتفع ويشتري الأول من الثاني بلك بسعر مرتفع وبذلك يكون الطرفان قد حددا نطاقا سعريا للبيع في المخططين. فعندما تذهب للتاجر (أ) يقول لك ان العقاري (ب) اشترى مني بالسعر «الفلاني» ، فكيف أبيعك بسعر أقل؟ فيثبت السعر عند مستوى مرتفع.
وفي حال تم البيع بسعر مرتفع ثم انخفضت أسعار الأراضي في المخطط ، يقوم التاجر بشراء القطع التي باعها ويضمن ربحا من الفرق بالإضافة إلى انه ساعد في تماسك أسعار مخططه.
وإذا كان المخطط مساهمة ،ولنفرض انه تم الشراء بسعر المتر 200 ريال للمتر، فعندما يفتح المزاد يقوم المساهمون بشراء جميع البلكات بسعر 900 ريال للمتر دون ان يدفعوا ريالا واحدا، بذلك يكونون قد استفادوا من تحديد نطاق سعري، كما أنهم استردوا مساهمتهم كأراض، وحتى لو هبط السعر 40 بالمائة فهم يبقون رابحين. وفي اليوم التالي تنشر الصحف (تم بيع مخطط (أ) خلال ساعتين بمتوسط سعر 900 ريال للمتر). وفي اليوم الذي يليه يبدأ البيع على المضاربين بسعر 1000 ريال للمتر وفي نهاية الشهر يكون السعر 1100 الى ان يصل لسعر 1500 او 1800 ريال.
وهناك طريقة جديدة للتلاعب بأسعار الأراضي:
يقوم التاجر بشراء 10 مليون متر مربع في مناطق بعيدة بسعر 20 ريالا للمتر، ومن ثم يخصص 500 ألف متر في وسط الأرض لمشروع «وهمي» يتم الإعلان عنه في الصحف المحلية على انه مشروع العصر. فيبدأ الناس بالتسابق لشراء الأراضي حول المشروع، ويصل سعر المتر الى 300 ريال للمتر أو أكثر، ومن ثم يبيع التاجر 9.5 ملايين متر بسعر المتر 300 ريال، أي إجمالي ربح 2.8 مليار ريال. وفي نهاية المسلسل الدرامي يخرج تصريح من التاجر يقول: نظراً للازمة المالية فإن مشروع «العصر» توقف!.
إخفاء المعلومات عن المواطن:
هناك معلومات يخفيها المستفيدون فى القطاع عن المواطن ومنها : وجود حاجة للمساكن لكن لا توجد قدرة شرائية. أسعار العقار متضخمة دون أسباب منطقية. 77 بالمائة من أراضي مدينة الرياض داخل النطاق العمراني هي أراضي فضاء. يجب أن يكون دخل المواطن الشهري 24000 ريال ليتمكن من شراء فله. مساحات المباني تحت الإنشاء حالياً في الرياض تساوي 69 مليون متر مربع 80 بالمائة منها سكني. سيكون هناك فائض في المساحات المكتبية يقدر بمليون متر خلال السنتين القادمتين، وليس لها حل الا بتحويلها لمباني سكنية.
ولكن ما هي الحلول المقترحة للخروج من الازمة؟ .. الحلول سهلة قمت بطرحتها في عدة مقالات وللاختصار أقوم بإيجازها فيما يلي:
• هناك ضرورة للفهم الصحيح للازمة الاسكانية وأسبابها، ونشر كل ما يساعد على ذلك.
• توعية الاعلاميين بالتلاعب الموجود في السوق حتى يتوخوا الحذر عند حوار التجار المضللين في أي برنامج.
• التوقف عن شراء أي قطعة ارض او منزل لمدة سنة الى سنتين، الا إذا كانت هناك ملحة حاجة لذلك .
• إطلاق حملة مقاطعة للعقار عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر والفيسبوك عنوانها «خلوها تغّبر».
• زيادة المطالبات في جميع وسائل الإعلام بإقرار استراتيجية الإسكان الجديدة وفرض رسوم على الأراضي البيضاء والاستمرار في نقل معاناة المواطن للمسؤولين حتى يتم الخروج من الأزمة الإسكانية.
• قيام رجال العقار الشرفاء بالتبرع بجزء من اراضيهم لوزارة الاسكان، وإن كان هذا من الصعب فلا أقل من أن يتم عرضها للبيع لزيادة المعروض وخصوصاً بأن أرباحه إلى اليوم تتجاوز 100 بالمائة.
إن استمرار السوق العقاري بهذه الطريقة واستمرار بعض شبيحة العقار في احتكار الاراضي وممارسة الفساد العقاري، لهو نذير سوء لهذا البلد وشعبه، لأنه لن يؤثر فقط على شريحة صغيرة من الناس ولكنه سيؤثر على 12 مليون فرد من شعب المملكة وسيكون تأثيره اجتماعيا اقتصاديا أمنيا، وهو على المدى البعيد لا يقل خطراً عما كانت تفعله الفئة الضالة في المملكة. لذا أرجو من الله أن تكون إستراتيجية الإسكان الجديدة هي نهاية هذه المأساة التي تواجهها بلدنا بسبب هذا الفساد العقاري، ونأمل إقرارها في أقرب فرصة.