مــدينةُ الفوانيــس

أعيش وحيدا في هذه المدينة ككوخٍ مهجورٍ
في غابة تضرب جدرانه الريح .
هذه المدينة
لازالت تعيش في عصر الفانوس
تكتض بالفراغ
فأينما يممتُ أشعر بالخلوة
وحين أجوب شوارعها
أحتاج لقدمين من الإسمنت
فآثار خطاي
تستحثُ موهبة القيافة في ساكنيها
ورائحة جسدي
تستثير حاسة الشم في أنوف أهلها
ولون ملابسي
يكشف لأعينهم الطرقات
وكأنني فانوسهم الذي يضيء للفضائح .

وحدي
تشتم كلابها رائحة جسدي
وتجوب كل أزقة الحي القديم خلفي
تفتش الجدران
وأقبية المنازل العتيقة
تنبش الأرصفة
فأنا السائر الوحيد في دروبها .
مدينة النائمين هذه المدينة
ينام فيها كل شيء
إلا أنا والفراغ

تنام فيها الحياة
والاعين والقلوب
ينام فيها الحب
تنام فيها الريح
والأضواء
والأموات والأحياء
حتى السائرين في طرقاتها نيام
كأنني الناجي الوحيد من طوفان النوم .

لا يستيقظ فيها إلا حارس الفضيلة
وكأن كل من فيها وما فيها فضيلة
إلا أنا
كأن كل ما عداي حارسٌ عليّ.
هذه المدينة
مدينة ٌبلا قلب
لا يأسرها غرام
ولا تشتاق لحبيب
ولم تتخضّب طرقاتها لتستقبل عاشق
تنام في أي حضن فلاتستنكره ولا تجفل منه
وكأنها تألفه منذ نعومة مبانيها
مدينة ٌ قبل أن تمنح الحب
تأكلُ نصفه
وقبل أن تمنح الدّفء تكسر المدفأة .
كلّ المدن تطبع ُ ساكنيها بنكهتها
كل المدن لها رائحة تميزها وتدمغ الريح بها
إلا هذه المدينة
هي الوحيدة التي تدمغها الرياح بكل الروائح.

الفظيني يا مدينتي الكئيبة
فقد عجزتُ أن أهجرك
وعجزتُ أن أعيش فيك مهجورا
أو دعيني أختبئ في وجهك .
فهو المكان الوحيد الذي لا يراني فيه أحد.

***
محبتي