الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ،وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسولهالداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا . ما أسرع مرور الأيام، وهي إن انقضت فإنما ذلك نقص في الأعمار، وتقريب من الموعد المحتوم الذي كتبه الله على بني أدم فالسعيد مَن استعان بهذه الأيام على لقاء الله، السعيد الموفق من أحسن البذر والزرع في أيام الدنيا، السعيد من لم تزده مواسم الخير وأزمنة الفضل والشرف إلا قرباً من مولاه، السعيد من تزود من دنياه بعمل صالح يكون سببا لرضا مولاه، والفوز بنعيمه وجنته، والنجاة من عذابه وناره، وسيجد كل عامل جزاء عمله يوم القدوم على ربه، فالمؤمنون يجدون جزاء أعمالهم الصالحة عند ربهم، يجدون الرحمة والرضوان، والفوز بالجنان، والتلذذ بالنظر إلى وجه الرحيم الرحمن.أما الأشقياء المحرومون فلَن يجدوا يوم القدوم على الله إلا الإعراض والصدود والخسران المبين، فلا يكلمهم الله ولا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.غدا توفى النفوس ما عملت، ويحصد الزارعون ما زرعوا، إن أحسنوا فلأنفسهم، وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا! أيام العشر الأواخر أعظم الأيام فضلا وأكثرها أجرا، تصفو فيها لذيذ المناجاة، وتسكب فيها غزير العبرات، كم لله فيها من عتيق من النار؟؟ وكم فيها من منقطع قد وصلته توبته؟؟.المغبون من انصرف عن طاعة الله، والمحروم من حرم رحمة الله، والمأسوف عليه من فاتته فرص الشهر، وفرط في فضل العشر، وخاب رجاؤه في ليلة القدر، مغبون من لم يرفع يديه بدعوة، ولم تذرف عينه بدمعة، ولم يخشع قلبه لله لحظة، ويح لمن أدرك الشهر ولم يحظ بمغفرة ولم ينل رحمة؟؟ يا بؤسه ؟ ساءت خليقته وأحاطت به خطيئته، ونحن مقبلون على أيام العشر الأواخر أيام الدعاء، وإن كان الدعاء في كل وقت؛ لكنه في هذه الأيام آكد؛ لشرف الزمان، وكثرة القيام، فاجتهدوا في هذه الأيام الفاضلة؛ فلقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشد فيها مئزره، ويُحيي ليله، ويوقظ أهله، كان يقضيها في طاعة الله تعالى؛ إذ فيها ليلة القدر، فاحرصوا على اغتنام هذه العشر، وأروا الله تعالى من أنفسكم خيرًا، فلربما جاهد العبدُ نفسه في هذه الأيام القلائل، فقبل الله تعالى منه، وكتب له سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، وهي تمرُّ على المجتهدين واللاهين سواءً بسواء؛ لكن أعمالهم تختلف، كما أن المدون في صحائفهم يختلف، فلا يغرنكم الشيطان فتضيع هذه الأيام كما ضاعت مثيلاتها من قبل، أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المقبولين، ومن عباده الصالحين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.