الغيرة خلق فطري وانساني وديني وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن اللهَ يغارُ. وإن المؤمنَ يغارُ. وغيرةُ اللهِ أن يأتيَ المؤمنُ ما حرم عليه)
قال ابن حجر: الغيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها راء، قال عياض وغيره: هي مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين. هذا في حق الآدمي
قال النووي: قال العلماء الغيرة أصلها المنع والرجل غيور على أهله أي يمنعهم من التعلق بأجنبي بنظر أو حديث أو غيره، والغيرة صفة كمال
وقال ابن القيم في الجواب الكافي : إن أصل الدين الغيرة، ومن لا غيرة له لا دين له، فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغيرة تميت القلب، فتموت له الجوارح؛ فلا يبقى عندها دفع البتة، ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة وجد الداء المحل قابلًا، ولم يجد دافعًا، فتمكّن، فكان الهلاك..
تعدو الذئاب على من لا كلاب له *** وتتقي صولة المستأسد الضاري
وقصته أن امرأة قدمت مكة تريد الحج أو العمرة، وكانت من أجمل النساء، فلما ذهبت ترمي الجمار، رآها عمر بن أبي ربيعة الشاعر المعروف، وكان مغرما بالنساء والتغزل بهن، كلمها فلم تجبه، فلما كانت الليلة الثانية تعرض لها، فصاحت به : إليك عني فإني في حرم الله وفي أيام عظيمة الحرمة، فألحّ عليها فخافت من افتضاح أمرها، فقالت لأخيها في الليلة الثالثة: اخرج معي فأرني المناسك. فلما رأى عمر بن أبي ربيعة أخاها معها مكث في مكانه ولم يتعرض لها، فأنشدت قائلة:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له *** وتتقي صولة المستأسد الضاري
فلما سمع أبو جعفر المنصور هذه القصة قال : وددت لو أنه لم يبق فتاة في خدرها إلا سمعت بهذا الخبر .
و كان بإحدى البلاد امرأة صالحة عاقلة وكانت معها فتاة، فكانت إذا أرادت الخروج من البيت تقول لابنها: اخرج مع أختك؛ فإن المرأة دون رجل يحميها ويوسع لها الطريق، كالشاة بين الذئاب يتجرأ عليها أضعفهم
وفي البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله:
أن امرأة تقدمت إلى قاضي الري (مدينة في إيران) فادعت على زوجها بصداقها خمسمائة دينار فأنكره فجاءت ببينة تشهد لها به، فقالوا: نريد أن تُسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا، فلما صمموا على ذلك قال الزوج: لا تفعلوا هي صادقة فيما تدعيه، فأقر بما ادعت ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها.
فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه وأنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر: هو في حل من صداقي عليه في الدنيا والآخرة
ويحكى أن أعرابياً في الجاهلية زُفّت إليه عروسه على فرس، فقام وعقَر تلك الفرس التي ركبت عليها العروس، فتعجب الجميع من حوله وسألوه عن سرِّ عمله فقال لهم: خشيت أن يركب السائس مكان جلوس زوجتي ولا يزال مكانها دافئاً!
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر فقالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبرا) فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله
وكان علي بن ابي طالب رضي الله عنه يقول: ألا تستحون ألا تغارون، يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال تنظر إليهم وينظرون إليها؟
وعنه ايضاً انه قال لزوجته فاطمة رضي الله عنها، ما خير للمرأة؟ قالت: ألا ترى الرجال ولا يروها.
وورد ان عمر والزبير كانا يغاران جداً على الحريم والأعراض حتى أنهما كانا يغاران من خروج حريمهما إلى المسجد.
عن ابن أبي مليكة أن ابن عمر رضي الله عنهما سمع امرأته تكلم رجلا من وراء جدار بينها وبينه قرابة لا يعلمها ابن عمر فجمع لها جرائد ثم ضربها
ويذكر عن سعد بن عبادة أنه كان شديد الغيرة لم يتزوج إلا بكرا وما طلق امرأة وقدر أحد أن يتزوجها
وذكر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يأكل تفاحا ومعه امرأته فدخل عليه غلام له فناولته تفاحة قد أكلت منها فأوجعها معاذ ضربا
إن الرجال الناظرين إلى النسا .. مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها .. أكلت بلا عوض ولا أثمان
وكان الحسن يقول: أتدعون نساءكم لِيزاحِمن العلوج في الأسواق، قبَح الله من لا يغار!!
وفي البداية والنهاية لابن كثير : كان داود عليه السلام فيه غيرة شديدة فكان إذا خرج أغلق الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع . قال : فخرج ذات يوم وغلقت الدار ، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار فإذا رجل قائم وسط الدار . فقالت لمن في البيت : من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة ؟ والله لنفتضحن بداود . فجاء داود فإذا الرجل قائم في وسط الدار ، فقال له داود : من أنت ؟ قال : أنا الذي لا أهاب الملوك ولا أمنع من الحجاب . فقال داود : أنت والله إذن ملك الموت ، مرحباً بأمر الله ، ثم مكث حتى قبض
وفي الصحيحين عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه . قالت : فقلت : يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة . قالت : فقال : انظرن إخوتكن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة